افتتاحية قاسيون 1156: لماذا «يرشون على الموت سكر»؟!

افتتاحية قاسيون 1156: لماذا «يرشون على الموت سكر»؟!

تسود، منذ 7 أكتوبر، حالة فريدة من الانفصام في صفوف إعلاميين وسياسيين سوريين ممن يقدمون أنفسهم بوصفهم معارضين ومحللين سياسيين؛ فبعد سنوات طويلة من التماهي التام مع الغرب والأمريكان تحديداً، وبعد أن احتكموا بشكلٍ كامل للوصفة الغربية في تحديد الأعداء والأصدقاء، بحيث بات أعداء الأمريكان أعداءهم وأصدقاء الأمريكان أصدقاءهم، وجد هؤلاء أنفسهم أمام أزمة كبرى، أخلاقية وإنسانية ووطنية، تزداد عمقاً مع كل يومٍ جديد من أيام العدوان الصهيوني الأمريكي الهمجي على الشعب الفلسطيني. وأهم ما في الأمر، أنهم وجدوا أنفسهم في تناقض مباشر مع مشاعر وأفكار وعواطف عموم السوريين، سواءً منهم المحسوبين «معارضةً» أو المحسوبين «موالاة»...

ففي الوقت الذي يضع هؤلاء بشكل علني بيضهم في السلة الأمريكية، ويضع نظراؤهم من المتشددين والفاسدين الكبار ضمن النظام بيضهم في السلة نفسها، ولكن سراً (وهو السر الذي بات مفتضحاً بشكل أكبر فأكبر منذ 7 أكتوبر)، فإنهم مضطرون، كلٌّ بطريقته، لاختراع تحليلات وقراءات سياسية ملتوية بل وغرائبية ومؤامراتية في كثير من الأحيان، لكي يبرروا استمرارهم في التعويل على الأمريكي، بما ينطبق عليه تماماً المثل الشعبي: «يرش على الموت سكر».

قبل المضي أبعد من ذلك في الخصوصيات السورية، لا بد من إجمال اللوحة العامة الدولية والإقليمية بأكبر تكثيف ممكن:

أولاً: تتعمق أزمة الصهيوني في حربه على غزة وعلى الشعب الفلسطيني، وتضيق به المخارج على أساس يومي تحت ضربات المقاومة، وفي ظل تكوّن جو دولي وشعبي يعمق ليس عزلة الكيان وحده فحسب، بل ومعه عزلة الأمريكي.
ثانياً: في مصر، والتي تبدو هدفاً أمريكياً أساسياً ضمن مخطط الفوضى الشاملة، ورغم الهنهنات هنا وهناك، يتعمق الموقف المعادي لـ«إسرائيل» شعبياً، وتجد الفئات الحاكمة نفسها، ورغم تعدد تياراتها، في مواجهة وجودية مع المخطط الأمريكي، تدفعها للانزياح أكثر فأكثر ضد الأمريكي، وهو الأمر نفسه الذي يسري في السعودية، وإنْ اختلفت حدة التهديد في المرحلة الراهنة.
ثالثاً: في لبنان، وضمن حالة الاشتباك المستمرة والمتصاعدة تدريجياً، يلعب «الإسرائيلي» على حافة هاوية يحرمها عليه الأمريكي، لأنها لا تتوافق مع خطته الأشمل. ويضطر تالياً إلى تعميق استنزافه الذاتي في الشمال الفلسطيني المحتل، وتعميق أزمته الشاملة يوماً وراء الآخر.
رابعاً: وفي جبهات اليمن والعراق، يتصاعد النفس الشعبي والرسمي المعادي للأمريكان والصهاينة، وتتصاعد معه الإجراءات العملية باتجاه تقويض النفوذ والوجود الأمريكي في كامل المنطقة، وتنقلب محاولات فرض السيطرة الأمريكية، سواء عبر تحالف البحر الأحمر أو غيره إلى أدلة على التقوّض الفعلي لذلك النفوذ، بدل أن تكون استعادة أو تثبيتاً له.

بالعودة إلى سورية، وضمن اللوحة العامة للإقليم، يعبر الانفصام عن نفسه ليس بالتحليلات فقط، بل وبصورة ملموسة، عبر جملة من الإجراءات والقرارات الحكومية التي تصب في مجملها في تعميق أزمة السوريين. ويعبر عن نفسه أيضاً في اللغط حول «العقد الاجتماعي» في الشمال الشرقي، والتحرشات الأردنية في الداخل السوري بذريعة محاربة تهريب المخدرات، والأقاويل حول منطقة عازلة، والتي جرى تمريرها وكأن شيئاً لم يكن.

إنّ مجمل الاتجاه العام الذي تسير ضمنه الأطراف المتشددة الداخلية الرافضة للحل السياسي، يصب في نهاية المطاف ضمن مخطط «خطوة مقابل خطوة» الأمريكي، وهو اتجاه معاكس لتطور الأمور دولياً وإقليمياً، وفلسطينياً على الخصوص؛ فالأمريكي ومعه الصهيوني يعيشان تراجعاً متواصلاً، ومن يعلق آماله عليه يعلقها على سراب، ولن يقبض إلا الريح.

بالمقابل، فإنّ الاتجاه العام للتوازن الدولي وانعكاساته الإقليمية، تؤكد أنّ الميل الغالب بما يخص سورية، هو اتجاه التنفيذ الفعلي والكامل للقرار 2254 بالاستناد إلى أستانا والصين ودول عربية أساسية، وعبر التسوية السورية التركية كباب أساسي من أبواب إخراج القوى الأجنبية وإعادة توحيد البلاد وكسر العقوبات... وفي هذا الإطار يمكن فهم تصريحات وزير الخارجية التركي الأخيرة التي تمهّد لانطلاقة جديدة لأستانا في هذا العام، وعلى أرضية كل التطورات الكبرى التي جرت في المنطقة، والتي ستصب بالضرورة ضد المصلحة الأمريكية- الصهيونية، وفي مصلحة شعوب المنطقة.

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1156
آخر تعديل على الأحد, 07 كانون2/يناير 2024 19:58