أبو أحمد فؤاد لـ «قاسيون»: المقاومة عملية تراكمية تاريخية قادرة على إنتاج اللامتوقع

أبو أحمد فؤاد لـ «قاسيون»: المقاومة عملية تراكمية تاريخية قادرة على إنتاج اللامتوقع

جاءت الحرب على قطاع غزة كإثبات جديد على ارتباط مصير منطقتنا بالقضية الفلسطينية، وأن فرض حل عادل لها كان دائماً هدفاً أساسياً لا يمكن تجاوزه، في هذه اللحظة المفصلية تستمر «قاسيون» في تقديم تغطية تحليلية شاملة للظرف الراهن ومآلاته المتوقعة، ومن هنا نقدم فيما يلي حواراً موسّعاً مع الرفيق أبو أحمد فؤاد، مسؤول مكتب العلاقات العربية والقومية والقيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

فيما يلي نص الحوار الذي أجرته «قاسيون» مع القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين:


تطورت الأحداث خلال الأشهر الماضية بشكل كبير وعلى عدة مستويات، كيف يمكنكم توصيف اللحظة الراهنة داخل الأراضي المحتلة؟ وخصوصاً أن الاعتداءات الصهيونية لا تستهدف قطاع غزة فحسب بل تتعرض الضفة الغربية لحملات يومية، وهو ما أظهر أن الكيان لا يرى في الضفة والقطاع كتلاً منفصلة، هل هناك استراتيجية واضحة يعمل وفقها جيش الاحتلال الآن؟ وكيف تصفونها؟

بداية، لا بد من التأكيد على أن اللحظة الراهنة تؤكد على همجية الاحتلال "الإسرائيلي" وعدوانه الإجرامي والترويج لخطاب مخادع يتعلق بأهداف حملته العسكرية الواهية، والبعيدة عن التحقيق في قطاع غزة، والذي يتعرض إلى حملة إبادة همجية لم يشهدها التاريخ من قبل، وتالياَ، فإن عملية طوفان الأقصى التي انطلقت في السابع من أكتوبر الماضي، والتي شارفت على التسعين يوماً جاءت كإجراء طبيعي للدفاع عن النفس في مواجهة الاحتلال الصهيوني الغاشم في الأراضي الفلسطينية. هذا الاحتلال الذي كان يعلن استراتيجيته صراحة على لسان رؤساء حكوماته المتعاقبة ومسؤوليها، بأنه يريد حسم الأمور والتصفية الشاملة للقضية الفلسطينية، ويريد ضرب الضفة الغربية واعتبارها يهودا والسامرة، والسيطرة الكاملة على القدس والمسجد الأقصى، وتنفيذ مخططات الاستيطان والتهويد وهدم البيوت وتهجير الناس عنوة من الضفة الغربية والقدس، لذلك تعنونت العملية وانطلقت بعد اعتقال الآلاف من أبناء شعبنا الصامدين في سجون الاحتلال وتكررت الاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى وتدنيسه، والعالم كان يقف موقف المتفرج على الممارسات والانتهاكات "الإسرائيلية".

في ظل القصف العنيف وسقوط آلاف الضحايا والدمار كبير في المناطق السكنية والبنية التحتية، كيف يمكنكم تقدير المزاج العام في القطاع؟ وتقييم نتائج هذا العدوان الشرس على المعنويات؟

من الواضح، أن الكيان الصهيوني يريد من القصف العنيف وسقوط آلاف الضحايا والدمار كبير هو نفي وجودنا وترحيلنا، وخلق واقع جديد ليتمكن من السيطرة على كل شيء. وبالتالي، نحن على يقين بأن المزاج العام في القطاع يدرك بأنه ليس أمامه إلا القتال والمقاومة بإرادة فولاذية لوضع حد للعدوان الصهيوني، ويرفض الاستسلام بالرغم من ميزان القوى الذي هو لصالح العدو المدعوم أمريكياً وغربياً، والذي يمتلك كل أسلحة القتل والدمار. ومن الملاحظ أنه على مدى أكثر من 90 يوماً من القصف "الإسرائيلي" المستمر الذي استهدف، كل مناحي الحياة في القطاع ودمر نحو 50 % من قطاع غزة، وقتل أكثر من 22 ألف شهيد جلهم من الأطفال والنساء، وعشرات الآلاف من الجرحى والمفقودين. لم يجدوا إنساناً فلسطينياً واحداً في قطاع غزة يطالب بوقف المقاومة، وتوهم العدو أن الشعب سيرفع الراية البيضاء، لكنه فوجئ بأن هذا الشعب رغم كل التضحيات والمجازر ما زال صامداً وواثقاً من تحقيق الانتصار.

أعاقت الولايات المتحدة المحاولات في مجلس الأمن لاستصدار قرار بإيقاف إطلاق النار، وتُقدم الدعم العسكري والاستخباراتي للكيان على أعلى المستويات، كيف يمكنكم قراءة الدور والهدف الأمريكي الحالي؟

الهدف الأمريكي كشف حقيقة نواياها ومواقفها الداعمة للاحتلال، فبعد أن قدمت أمريكا نفسها كوسيط لعملية السلام طوال السنوات الماضية، إلا أنها بعد «طوفان الأقصى» أرسلت طائراتها، وبوارجها وأساطيلها وجنودها لحماية الكيان، الذي ثبت أنه أوهن من بيت العنكبوت، وأمريكا حتى هذه اللحظة، ترفض إيقاف إطلاق النار، وهذا يعني أنها تمنح الكيان الضوء الأخضر للاستمرار في حرب الإبادة. بعد الانهيارات الكبيرة التي ألحقتها المقاومة الفلسطينية في الجيش الاحتلال "الإسرائيلي" الذي كان متواجداً في غلاف غزة، وذلك خلال وقت قياسي أدركت حينها الولايات المتحدة الأمريكية مدى هشاشة الكيان الصهيوني، واعتماده في وجوده على أمريكا وغيرها من دول غربية استعمارية. وشعرت الإدارة الأمريكية بأن الكيان يعيش حالة خوف من انهيار محقق، وأن نتنياهو وائتلافه الحكومي اليميني المتطرف، وقادته العسكريين ليسوا قادرين على إدارة المعركة، فجاء بايدن ووزير الدفاع ووزير الخارجية الأمريكي، والذي صرح جهاراً «أنه جاء إلى هنا كيهودي» وحضروا اجتماع مجلس الحرب الصهيوني، وبالتالي إدارة معركة قتل المدنيين الأبرياء من الأطفال والنساء وكبار السن، وتدمير المستشفيات والبيوت على رؤوس ساكنيها. ونؤكد بأن ثمة أزمة عميقة داخل الكيان "الإسرائيلي" وتتصاعد حدة الانقسامات والصراعات الداخلية على أثر الفشل في العدوان على غزة.

هل أثّرت الأحداث التالية في الحسابات السياسية الإقليمية؟

إن صمود الشعب الفلسطيني على أرضه واستمرار مقاومته وتمسكه بثوابته الوطنية قد أحرز نتائج إيجابية، أبرزها: إيجاد قراءة جديدة للصراع، جعلت حسابات القضية الفلسطينية حاضرة كرقم صعب في أية معادلات إقليمية ودولية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تشكيلها لأسباب الشدّ والجذب لتحفيز مشاركة خصوم الولايات المتحدة، مثل: روسيا الاتحادية التي تتعامل مع تداعيات العملية العسكرية الفلسطينية، على نحو يعكس موقفها المحتمل بالتدخل، لاستثمار ما يحدث من أجل رصد نفوذ واشنطن، وتضييق الخناق عليها في المناطق الجيوسياسية لمصالحها، ومصالح حلفائها الاستراتيجيين على النحو الذي يسهم في تخفيف الضغط الغربي في الجغرافية الحيوية لموسكو، وهو المنظور ذاته الذي تتعامل من منطلقه إيران، وإن كانت بقدرة تأثير أكبر من تلك التي تملكها موسكو نظراً لتحالفاتها المنتشرة مع القوى والفصائل في مناطق الجغرافية المتاخمة للكيان الصهيوني.

كيف تتعامل واشنطن مع هذه المسألة؟ وهل تتفقون مع قراءة حزب الإرادة الشعبية حول أن واشنطن تعمل على إحراق المنطقة عبر استثمار ما يجري الآن في الأراضي المحتلة للضغط على بعض الدول العربية وربما محاولة تفجيرها من الداخل؟

يمكن الاستدلال على استجابة واشنطن بمستوى التحرك الأمريكي في المنطقة، على سبيل المثال: بالدعم غير المسبوق الذي تقوم به حالياً لدعم حليفتها "إسرائيل" وبتحريك بعض القطع الحربية من أسطولها البحري، مثل: حاملة الطائرات «جيرالد آر. فورد» من أجل إيصال رسائل ردع للدول والقوى المنخرطة في مناطق الطوق الاستراتيجي لـ "إسرائيل"، وذلك ضمن تفاعلات استراتيجية موازين القوى بين الدول الكبرى المتنافسة، وعبر عن ذلك بوضوح الرئيس الأمريكي جو بايدن في كلمته في 10 أكتوبر 2023،
بتحذيره للأطراف الدولية باستغلال التصعيد الراهن، قائلاً: «أحذر أي بلد أو منظمة من استغلال هذا الوضع، وبشكل عام أقول لأي شخص يفكر في استغلال هذا الوضع: لا تفعل ذلك». وفي هذه الحالة يشكل التدخل الأمريكي عاملاً محتملاً لإشعال المنطقة.

تبدو اتفاقية كامب ديفيد نقطة مفصلية مهمة في تطور القضية الفلسطينية وعلاقتها مع محيطها العربي، كيف تصفون هذا الواقع بعدها؟

كانت كامب ديفيد أولى الخطوات نحو تطبيع العلاقات العربية مع الكيان الصهيوني، والتي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، ومنذ ذلك الوقت والموقف العربي في ارتباك وانحسار مستمر، والخطوات التطبيعية العربية سواء كانت في السر أو العلن مع "إسرائيل" كانت تحابي الولايات المتحدة وتستجديها في كل المراحل. لذلك أريد التأكيد على أن الواقع العربي المحيط بقضية فلسطين يمر بظروف وأزمات على المستويين الرسمي والشعبي، فالوطن العربي تعتمل في داخله حروب داخلية طاحنة، حيث تم حرف الصراع في المنطقة عن بوصلته الحقيقية، ليتجه نحو صراعات طائفية ومذهبية، وكل هذا ينعكس بصورة خطيرة على القضية الفلسطينية ومستقبلها. لذلك كانت معركة "طوفان الأقصى" بمثابة تحذير جدي للأمة العربية، مضمونه يتلخص بأنه عليكم أن تعلموا أن البوصلة كانت وستبقى فلسطين لأن الخطر الحقيقي هو المشروع الصهيوني الذي لا يستهدف فلسطين فحسب، بل الأمة العربية برمتها.

ماذا تعتقدون الهدف من إعادة طرح مسائل مثل «تهجير الفلسطينيين إلى سيناء» وما هو الهدف من إعادة استحضارها؟ وما هي خطوط الدفاع الإقليمي بوجه طرحٍ كهذا؟

إن هدف أمريكا والكيان "الإسرائيلي" المعلن هو القضاء على حماس، لكن على أرض الواقع ثبت أن الهدف هو القضاء على الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية. وأتساءل: هل 8000 طفل من القطاع يمثلون حماس؟ هل تدمير المباني السكنية والمستشفيات والمدارس والجوامع والكنائس يعني تصفية حماس؟ أم يعني الرغبة في تصفية الشعب الفلسطيني؟!

وبالتالي، فإن إعادة طرح مسائل، مثل: «تهجير الفلسطينيين إلى سيناء» وغيرها من قبل الإدارة الأمريكية تهدف الى تخليص "إسرائيل" من الشعب الفلسطيني، وليس تخليص الشعب الفلسطيني من الاحتلال الصهيوني. وتتمثل حقيقة المعركة باستهداف الشعب الفلسطيني والقضاء عليه، وفرض استسلامه. وتابع «لكن نقول بكل وضوح، بأن كل محاولات التهجير والقضاء على المقاومة والشعب الفلسطيني مصيرها الفشل. وعليه فإن كل السيناريوهات المستقبلية سيقررها الشعب الفلسطيني، ولن تتمكن الحكومة "الإسرائيلية" ولا الإدارة الأمريكية من فرض أي حل للتهجير، أو فرض إدارة على مقاسهم لإدارة شؤون الحياة في غزة».

كما هو معلن، تنسق مجموعة من فصائل المقاومة الفلسطينية مع بعضها عبر الغرفة المشتركة، ومن ضمنهم كتائب أبو علي مصطفى، كيف ترون مستوى التنسيق وحشد الإمكانات؟ هل يمكن أن يسهم تكاتف المقاومة الفلسطينية في وحدة الصف الفلسطيني، وخصوصاً أنها تنطلق من مشروعية المقاومة المسلحة، ورفض التنازل عن الحق في مقاومة الاحتلال؟

أعتقد أن فصائل المقاومة الفلسطينية تمتلك كل الاستعدادات اللازمة لخوض المعركة البطولية. ومن ضمنها كتائب الشهيد أبوعلي مصطفى، الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وحتى الآن، لم تتمكن قوات العدو من تحقيق أي إنجاز عسكري سياسي، بل على العكس كشفت المعركة عن وجه العدو وافتقاره لأي إنجاز، سوى قصف المدنيين بالطائرات الأمريكية، ومحاصرة المستشفيات والمدارس التي يتواجد فيها النازحون. لقد سجلت معركة «طوفان الأقصى» أكبر وأوسع هزيمة في تاريخ الاحتلال "الإسرائيلي"، إذ لم يسبق أن تلقى المشروع الصهيوني ضربات بمثل هذه القوة منذ العام 1948، وجوهر المعركة أن "إسرائيل" تراجعت ولم تحقق أياً من أهدافها، بينما نجحت فصائل المقاومة والحاضنة الشعبية الصامدة بحماية الرواية الفلسطينية، وحماية المسجد الأقصى والمرابطين فيه، وصد اعتداءات المستوطنين وقوات الاحتلال. ثمة مشهد فلسطيني جديد كلياً، وثمة معادلة مختلفة تماماً عن السابق في الصراع بين الفلسطينيين والاحتلال، فقد أصبحت القدس وكل التراب الفلسطيني تحت مظلة الردع لفصائل المقاومة، ولم يعد قطاع غزة المحاصر معزولاً عن محيطه الفلسطيني، بل أصبح يتولى زمام المعركة.

ما هي خصوصية قطاع غزّة في هذه الصورة؟

لأول مرة في تاريخ الصراع، تمكن الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة بأن يكون لديهم أرضية ومكاناً مستقلاً، يشمل بعض السلاح والإمكانيات العسكرية المتواضعة، مقارنة بما يملكه جيش الاحتلال من أحدث أسلحة القتل والدمار، وعندما توفرت لشعبنا في هذا المجال، صنع المستحيلات، وأثبت أنه من الممكن إلحاق الخسائر في هذا الكيان وهزيمته.

يوجّه الكيان ضرباته على كافة الأراضي المحتلة دون تفرقة، هل ترون أن ذلك يمكن أن يكون له أثر إيجابي على المصالحة الوطنية الفلسطينية؟ وكيف يقرأ الشارع الفلسطيني ذلك؟

لا يمكن تناول المصالحة الوطنية الفلسطينية بمعزل عن الواقع المحيط بالقضية الفلسطينية، والتطورات السياسية المتسارعة والنوعية على الصعيدين الفلسطيني و"الإسرائيلي" بشكل خاص، وعلى المستوى العربي والإقليمي والدولي بشكل عام. لقد تم تشويه طبيعة المرحلة التي يمر بها النضال الوطني الفلسطيني، وما ترتب عن ذلك من تشويه للقضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني بعد توقيع اتفاقات أوسلو، التي أحدثت شرخاً عميقاً في صفوف الشعب الفلسطيني، وبصراحة نقول: إن الشعب الفلسطيني. في واد والنظام السياسي الفلسطيني في واد آخر. لذلك فإن الوقائع السياسية التي نعيشها تؤكد على عدة حقائق، أهمها: فشل خيار ونهج أوسلو بشكل كامل، وما ترتب عنه من نتائج كارثية أصابت بنية النظام السياسي الفلسطيني. وسقوط وإنهاء ما سمي بحل الدولتين، وإضعاف منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الإطار الجامع الممثل والموحد للشعب الفلسطيني في أماكن تواجده كافة، داخل الوطن المحتل وخارجه، إضعافها وتهميشها وافراغها من مضمونها لصالح سلطة أوسلو. لذلك نعتقد أن حرب الإبادة الهمجية التي تشنها "إسرائيل" في كافة الأراضي المحتلة ستدفع باتجاه تحقيق الهدف الذي يسعى إليه شعبنا، مصالحة وطنية فلسطينية تعزز من بناء نظام سياسي مستقر ومؤثر، يستند بشكل أساسي على إعادة بناء وتفعيل واستنهاض منظمة التحرير الفلسطينية بجميع مؤسساتها، والالتزام بنهج المقاومة بجميع أشكالها كخيار استراتيجي.

كيف تقرؤون التحركات السياسية على مستوى دول المنطقة؟ وهل كانت مخرجات القمة العربية الإسلامية على مستوى تطلعاتكم؟

إن موقف دول المنطقة ينبغي أن يكون واضحاً لناحية وقف المذبحة، واتخاذ خطوات عملية ملموسة، لكن هذه المواقف لم تترجم عملياً. وقد طرحت دول عربية خلال القمة الأخيرة اتخاذ إجراءات من نوع التهديد، شملت وقف تصدير النفط والغاز، وإغلاق سفارات الكيان في العواصم العربية المطبعة، ولكن جرى رفضها من السعودية والمغرب والإمارات والبحرين. وبناء عليه، فإن مخرجات القمة العربية والإسلامية لا تنسجم إطلاقاً مع ويلات وحجم المعركة، وما يتعرض له الشعب الفلسطيني، وبالتالي كانت قرارات شكلية، وللأسف فإن نتائج القمة لم تدفع باتجاه أي إجراء جدي للولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني.

نتحدث اليوم أن ما قبل طوفان الأقصى ليس كما بعده، وهذا ليس على المستوى الفلسطيني أو الإقليمي بل على المستوى العالمي، فقد شهدنا اشتباكاً دبلوماسياً وسياسياً غير مسبوق بين الولايات المتحدة والكيان من جهة، والدول المناهضة للهيمنة الغربية من جهة أخرى، هل ترون ارتباطاً بين معركة غزة وتغيرات التوازن الدولي؟

طوفان الأقصى ليس كما بعدها، هذه هي الحقيقة المؤكدة، رغم أن الحرب لا تزال مستعرة، إذ سيكون لها ارتدادات عميقة، فالعملية تعد ضربة مباشرة للاستراتيجية الأمريكية و"الإسرائيلية" حيال المنطقة، التي كانت تعطي الأولوية في الآونة الأخيرة لتطوير وتعزيز اتفاقات التطبيع مع الاحتلال "الإسرائيلي"، ودمج الاحتلال في البنية الإقليمية، عبر مشاريع اقتصادية وتنموية كبيرة، دون أن يرتبط هذا بالقضية الفلسطينية نفسها.

نلحظ نشاطاً كثيفاً تقوم به روسيا والصين مؤخراً لا يرتبط بالقضية الفلسطينية فحسب، بل بعدد من الملفات الأخرى في المنطقة، كان أبرزها العمل على تسوية العلاقات بين إيران والسعودية، ما أثر كل ذلك على القضية الفلسطينية برأيكم؟ وكيف تقيمون الموقف الروسي والصيني الأخير؟

نرى أن اللحظة الراهنة وفقاً لحسابات مصلحة دول المنطقة تستدعي توفير غطاء دعم دولي من جانب دول كبرى (الصين وروسيا)، بدافع تجنيب المنطقة حالة عدم الاستقرار التي يمكن أن تحدثها عملية التصعيد "الإسرائيلي" في غزة، والتي ترغب في اتساعها لإحداث بعض التغييرات الجيوسياسية في معادلة صراعها على الجبهات المختلفة، وهو ما أكده تصريحات رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو في 9 أكتوبر 2023، والتي توعد خلالها بـ«تغيير منطقة الشرق الأوسط» خلال رده على عملية طوفان الأقصى.

لذلك فإن تبعات هذه العملية غير المسبوقة في تاريخ "إسرائيل" ستكون لها تداعيات، ليس فقط على شكل الصراع بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين"، لكنه يمتد إلى الجبهة الداخلية "لإسرائيل" وصورتها الخارجية من جهة، ويمتد إلى كامل منطقة الشرق الأوسط، التي ستتغير فيها بعض قواعد الصراع.

يجري الحديث اليوم عن حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة، ترابطاً مع تصاعد حدة المعارك، هل تغيرت الحلول اليوم بالنسبة للقضية الفلسطينية، وما هي رؤيتكم للحلول؟

الولايات المتحدة الأمريكية هي العدو الأول للشعب الفلسطيني، وهي التي تقود العدوان وحرب الإبادة، وتريد شطب فلسطين عن الخارطة، أعتقد جازماً، أن ما سمي «بحل الدولتين» قد سقط وانتهى، والذي لم يكن بحقيقته أكثر من خدعة أمريكية "إسرائيلية" استهدفت ذر الرماد في عيون الشعب الفلسطيني لتمكين المشروع الصهيوني من السيطرة على الأرض وتهويدها، تحت ستار مفاوضات عبثية لا طائل منها. لقد فرض الكيان الصهيوني وقائع على الأرض استهدفت ضرب أي مقومات لقيام دولة فلسطينية مستقلة، نذكر عندما التقى الرئيس الأمريكي جو بايدن برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في رام الله قال له إن: «أمريكا مع حل الدولتين، لكن هذا الحل بعيد ويحتاج إلى يسوع».

ليكن الجميع على يقين، بأن كل السيناريوهات المستقبلية سيقررها الشعب الفلسطيني، ولن تتمكن الحكومة "الإسرائيلية" ولا الإدارة الأمريكية من فرض أي حل يستهدف تصفية القضية الفلسطينية.

منذ نشأة القضية الفلسطينية كانت للقوى اليسارية الطابع والقومية والتقدمية عموماً الدور الأبرز في النضال الوطني، واليوم يتغير وجه المقاومة ليأخذ طابع المقاومة الإسلامية، هل يغير ذلك من جوهر المقاومة شيئاً؟

بالتأكيد لا.. لأن المقاومة عملية تراكمية تاريخية، لها القدرة على خلق التحالفات بين كل الأيديولوجيات والتوجهات، ولها القدرة على إنتاج اللامتوقع، وهو جوهر فن الحرب، وبالتالي، القوى اليسارية والقومية والوطنية انطلقت في ظرف صعب وشرس وتاريخي، لتمثيل الكفاح الفلسطيني، كمقاومة مستقلة لإرادة الشعب، وهو ما نراه الآن من قوى المقاومة الإسلامية.

كيف غير الشعب الفلسطيني- بصموده وروحه الثورية العالية التي لم يضعفها الزمن- نظرة العالم إلى نضاله التحرري ضد الاستعمار، رغم كل الدعاية الصهيونية الأمريكية الغربية؟

شعبنا العظيم الذي يكتب تاريخه بدم ولحم أبنائه الصامدين الصابرين، وسيواصل الكفاح والمقاومة حتى تحقيق كامل الأهداف الوطنية، وتحرير كامل التراب الفلسطيني.

ما هو السبب برأيك في التضامن الشعبي العالمي العارم مع الشعب الفلسطيني اليوم وخاصة الصادر عن الجيل الشاب الذي كان الغرب يعتقد أنه روّضه ليكون أبعد ما يكون عن العمل السياسي؟

إن التحولات على صعيد الرأي العام العالمي ومساندته للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وكشفه لزيف الرواية الصهيونية، وإجرام قادة الإرهاب "الإسرائيلي" يُعتبر تطوراً استراتيجياً لصالح القضية الفلسطينية. والمظاهرات التي شهدتها العديد من العواصم تثبت أن شعوب العالم باتت تدرك حقيقة الكيان الصهيوني المجرم، واعتماده على الأكاذيب والخداع والتضليل.

ما هو موقفكم بالنسبة للسيناريوهات المطروحة.. المفاوضات.. تبادل الأسرى.. الخ؟

يجب أّلا يتم التعاطي مع الوسطاء إلا على أساس شروط المقاومة، ولا حلول جزئية. أول شرط: هو وقف الحرب، ووقف العدوان على غزة. ثانياً: انسحاب قوات العدو انسحاباً كاملاً من غزة، بعد ذلك يمكن أن يجري الحديث عن تبادل الأسرى، أو إعمار غزة، أو أي أمور أخرى، قبل ذلك لا يجوز السماح بتجزئة الشروط المذكورة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1156
آخر تعديل على الإثنين, 08 كانون2/يناير 2024 18:33