المطلوب حماية الحركة الشعبية ومساعدتها في تنظيم نفسها
حالة الغضب الشعبي تعمّ البلاد بأسرها، وكذلك الأمر حالة النشاط السياسي المتصاعد للناس، والذي يأخذ أشكالاً متنوعة وعديدة، في كل منطقة وفقاً لظروفها. وإذا كان شكل الحركة أكثر بروزاً هذه الأيام في منطقة أو محافظة بعينها (السويداء نموذجاً)، فهذا لا يعني أنّ الأمر محصور بها؛ فمستوى الغضب وعدم الرضا متقارب حد التطابق بين كل المناطق السورية.
ما يجري في محافظة السويداء مدينةً وقرى، وفي عدة أماكن أخرى في درعا وغيرها، هو أحد النماذج وأحد الأشكال المعبّرة عن بدايات الموجة الجديدة من الحراك الشعبي، والذي يعبر بدوره عن رغبة السوريين وحاجتهم الوجودية لإنهاء الأزمة ولإنهاء الكارثة الإنسانية التي يعيشونها، والذين باتوا مقتنعين بأنه أمر غير ممكن دون تغيير جذريٍ شامل وعبر النشاط السلمي وعبر الحل السياسي وعبر تطبيق القرار 2254 الذي بات شعاراً مشتركاً.
وبالتوازي مع تجدد حالة النشاط السياسي لعموم السوريين، يتصاعد الصخب السياسي الذي ترعاه الجهات المتشددة في كلٍّ من النظام والمعارضة.
من جهة متشددي النظام، تجري محاولات تخوين الناس بالجملة بالاستناد إلى بعض المظاهر وبعض الشعارات. ومن جهة متشددي المعارضة يجري التركيز بالضبط على المظاهر والشعارات التي لا تحقق إجماعاً شاملاً.
ما هو أخطر أنّ بعض أسوأ المتشددين في الطرفين بدأوا بشكل متوازٍ التحذيرَ من أنّ «الدم قادم»، وبدأوا بالطبع بتراشق المسؤولية بشكل مسبقٍ عبر الترويج لأخبار عن «اغتيالات يمكن أن تحدث» من جهة، أو بالحديث عن «دور الأغراب الذين سيسيلون الدماء» من جهة مقابلة.
هذا الحثّ باتجاه الدم، والتراشق المسبق للمسؤوليات، يشير إلى أنّ المشهد القائم بحسناته وسيئاته لا يناسب المتشددين من الطرفين، ويريدون جرّه بشكل سريعٍ نحو العنف لأنّ ساحة العنف هي الساحة الأنسب بالنسبة لهم سواء لكسر ظهر الحركة الشعبية أو لركوب ظهرها.
من المؤكد أنّ هنالك ضمن الاحتجاجات القائمة من يسعى لأخذها باتجاهات محددة لا تخدم لا المحتجين أنفسهم ولا البلاد بأسرها، وهذا ينعكس في الإصرار على تكرار الأشكال والشعارات السابقة نفسها دون تطوير جدي، بل وعبر محاولات فاشلة لمهاجمة الشعارات الجديدة التي ظهرت من الحركة بشكل عفوي، وخاصة منها المتعلقة بالمطالبة بالحل السياسي وبتنفيذ القرار 2254.
من المؤكد أنّ هنالك من هم خارج هذه الحركة ويسعون لدفعها نحو النفق السابق نفسه، وهذا بدا واضحاً في تكرار الدعوات الممجوجة من الجهات الممجوجة نفسها لتسمية أيام الجمعة، لكي تكون تلك التسميات أداة في تحويل الحركة لا في السويداء بل وفي كل سورية إلى مطية لأولئك الذين يطلقون الأسماء.
ولكن من المؤكد أيضاً أنّ التعاطف الواسع الذي تحوزه الاحتجاجات، حتى وإنْ لم يكن جامعاً لكل المنهوبين بعد، إلا أنه يعبّر عن نفاد صبر الناس نتيجة ما يمارس عليهم منذ سنوات طويلة من تجويع وإفقار وظلم واستهتار بهم وبمطالبهم وبحياتهم.
انتقاد الحركة وانتقاد شعاراتها والعمل معها كي تنظم نفسها وتنتج شعاراتها وأشكال عملها بنفسها هو واجب كل وطني وكل قوة وطنية. ولكن بالتوازي فإنّ المطلوب هو حماية الحركة وسد الذرائع والسبل في وجه من يريدون إغراقها بالدماء.
انتقاد الحركة وانتقاد شعاراتها بهدف دفعها لتنظيم نفسها بشكل أفضل شيء، وتصيدها وتصيد أخطائها بهدف كسرها والإساءة إليها شيء آخر تماماً.
المطلوب هو انتقاد الحركة وحمايتها في الوقت نفسه، والمشاركة الواعية فيها بهدف التعاون مع الناس على تنظيم أنفسهم وإفراز قياداتهم. وعملية تطور الحركة وتنظيمها لنفسها تتطلب بالدرجة الأولى أن تأخذ وقتها الموضوعي المطلوب في التطور ضمن أجواء سلمية ودون أي تدخل قمعي أو عنفي من أي جهة كانت.
وإنْ كان من غير المضمون بحال من الأحوال ألا يحاول أعداء الحركة من المتشددين في كلا الطرفين دفعها نحو الدم، فإنّ المؤكد هو أنّ وعي الناس اليوم أعلى من السابق، حتى وإنّ كانت الصورة السائدة شبيهة شكلياً بما جرى في 2011. ودرجة الوعي هذه عليها أن تفرض نفسها، بما في ذلك على أولئك الذين ينصبون أنفسهم قادة للحراك دون استشارة الناس.
إنّ المخرج الأمثل والأكثر أمناً هو التوجه الفوري للحل السياسي ولتطبيق القرار 2254 ولتحقيق الانتقال السياسي لاستعادة وحدة سورية شعباً وأرضاً ولتمكين الشعب السوري من تقرير مصيره بنفسه. وهذا ما ينبغي الدفع نحوه بالتوازي مع العمل على حماية الحركة وتطويرها، والتي ستكون أداة أساسية في يد الناس، ليس في الدفع باتجاه الحل وباتجاه التغيير فقط، بل وأيضاً في بناء سورية الجديدة، الموحدة شعباً وأرضاً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 0000