واشنطن تعترف ضمنياً بإجرامية عقوباتها
صدر منذ ساعات (يوم 9 شباط)، قرار عن وزارة الخزانة الأمريكية بتخفيف بعض القيود التي تفرضها العقوبات الأمريكية على سورية لمدة 6 أشهر، ابتداءً من يوم إصدار القرار وحتى 8 آب القادم، وذلك تحت عنوان عام هو «تفويض المعاملات/الإجراءات المتعلقة بجهود التعامل مع تبعات الزلزال في سورية».
القرار يسمح بغض النظر الأمريكي عن تعاملات «أطراف ثالثة»، أي أية أطراف عدا الولايات المتحدة مع سورية ومع الحكومة السورية ضمناً، على أنْ تكون هذه التعاملات بغرض التعامل مع آثار الزلزال، والتحقق من هذه الأخيرة يعني أنّ «الأطراف الثالثة» ما تزال بحاجة للرجوع إلى واشنطن للحصول على الموافقات!
ليس واضحاً بعد مدى التأثير الفعلي الذي يمكن أن يكون لهذا القرار في التخفيف من أثر العقوبات، وفي تسهيل الجهود الإنسانية المتعلقة بآثار الزلزال، (خاصة وأنّ القرار يعتبر أنّ المحروقات والنفط غير مشمولة بالتسهيلات).
الواضح بلا شك هو:
أولاً: هذا القرار هو اعتراف واضح من الولايات المتحدة بأنّ عقوباتها تعيق الجهود الإنسانية المتعلقة بالتعامل مع آثار الزلزال.
ثانياً: وإذا كان الزلزال هو الكارثة المستجدة التي وقعت فوق رؤوس السوريين، فإنّ كوارثهم الأخرى كانت وما تزال مستمرة، وكانوا طوال السنوات الماضية بحاجة لمساعدات إنسانية من كل نوع، وبأحجامٍ كبيرة وبنوعيات عديدة، في المخيمات وفي الأرياف وفي المدن الكبرى، وفي كل بقعة من سورية. وإذا كانت العقوبات الأمريكية تعيق التعامل مع آثار الزلزال (باعتراف الأمريكان)، فهي بلا شك تعيق التعامل مع مجمل الكوارث التي يعيشها السوريون عبر أكثر من عشر سنوات، وتعمقها وتزيد من ثقلها، ناهيك عن أنها السبب في قسم منها.
ومرة أخرى، رغم أنّه لا يمكن الوثوق بأنّ لدى الولايات المتحدة أي رغبة حقيقية في التخفيف من معاناة السوريين عبر هذا القرار، إلا أنّ المفيد فيه هو أنّه أول اعتراف رسمي واضح بأنّ العقوبات تؤذي عموم السوريين وتصعب حياتهم الصعبة أساساً.
وإضافة إلى ذلك، فإنّ هذا القرار يشكل صفعة مباشرة لوقاحة بعض السوريين من أتباع الأمريكان، الذين اجتهدوا، حتى والناس تحت الأنقاض، في الدفاع عن أمريكا وعن عقوباتها وعن «إنسانيتها»...
قسم الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأمريكية، الذي ترأسه باربارا ليف، كان قد نشر يوم 8 شباط، أي قبل يومٍ واحدٍ من قرار وزارة الخزانة، سلسلة تغريدات على حسابه على تويتر، ملخصها: «العقوبات الأمريكية لا تعيق جهود المساعدات الإنسانية بأي شكل من الأشكال»... وليس من المستغرب أن يكرر الببغاوات باربارا بكلامها وحججها نفسها. والآن سيكون هؤلاء في موقف محرج، حيث سيكون أمامهم أمران متناقضان عليهم أن يبرّروهما معاً..
مرة أخرى، ورغم أن مساعدة السوريين المنكوبين يجب أن تكون الأولوية الأولى، وسيكون من الجيد جداً لو ساهم هذا القرار بتخفيف معاناتهم، إلا أنّ ذلك غير مؤكد بحكم خبرة السوريين، وخبرة شعوب العالم على العموم، بمدى «إنسانية» واشنطن. ولذا فإنّ التفكير في هدف أولئك الذين أصدروا القرار ينبغي أن ينصرف إلى أحد اتجاهين أو كليهما:
- الحرج الشديد للولايات المتحدة بالمعنى الدولي، لأنّ الكل يعلم أنّ عقوبات واشنطن هي وسائل قتل وإبادة جماعية، وخاصة في الظرف الراهن. وربما يكون صدور هكذا قرار هو بضغط مباشر من دول بعينها، بينها على الأغلب دول عربية.
- الاتجاه الثاني هو أنّ القرار لا علاقة له بأي شكل من الأشكال بالكارثة، وإنما يستغلها ليسير خطوة إضافية ضمن برنامج «خطوة مقابل خطوة» الذي يستهدف الالتفاف على الحل السياسي وعلى القرار 2254، نحو تثبيت تقسيم الأمر الواقع، وفي إطار التسلل للعمل ضد التسوية السورية-التركية، وضد جهود أستانا الأخيرة...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 0000