مشاركة «الإرادة الشعبية» في «المؤتمر الشيوعي» في برلين

مشاركة «الإرادة الشعبية» في «المؤتمر الشيوعي» في برلين

عقد في برلين بين 23 و25 أيلول «المؤتمر الشيوعي» الذي دعت إليه «المنظمة الشيوعية» الألمانية، وهي مجموعة من الشيوعيين الشباب كانت قد انفصلت عن الحزب الشيوعي الألماني عام 2017 وتقول بأهمية التوصل إلى وضوح فكري إيديولوجي فيما يتعلق بفهم عالم اليوم فهماً ماركسياً.

طُرحت فكرة المؤتمر على خلفية الاستقطاب الكبير في المواقف بما يتعلق بحرب الناتو على روسيا في أوكرانيا. هذا الاستقطاب الذي لم يقتصر على «المنظمة الشيوعية» ولكن أيضاً في كل الوسط الشيوعي في ألمانيا وأوروبا. وركز المؤتمر على مناقشة علاقة الحرب والثورة، دور العنف في التاريخ، وما طبيعة الحرب في أوكرانيا، حيث نوقشت مفاهيم الحرب العادلة وغير العادلة وفقاً للنهج اللينيني، وهل العملية العسكرية الخاصة لروسيا هي حرب عدوانية أم حرب دفاعية روسية. ولأن الإجابة عن هذا السؤال تتطلب فهم ما هي الإمبريالية اليوم فقد خصص جزء هام من المؤتمر لمناقشة هذه الموضوعة. كان الرفاق في «المنظمة الشيوعية» قد اطلعوا على الدراسة التي أعدها الرفيق مهند دليقان عام 2017 بعنوان «روسيا الشبح الإمبريالي» وعليه وجّهوا دعوة للحزب للمشاركة في المؤتمر في المنصة الحوارية بعنوان «الإمبريالية اليوم والحركة الشيوعية» التي ضمت إلى جانب الرفيقة ديما النجار ممثلة عن حزب الإرادة الشعبية، كلاً من: تورستن شوفيتس رئيس الحزب الشيوعي الألماني KPD وبيورن بلاخ، ممثلاً عن الحزب الألماني الشيوعي DKP ومحرر في جريدة UZ وأندرياس سورنسن، رئيس الحزب الشيوعي السويدي. وهنا نلخص مداخلات الرفيقة ديما النجار ضمن المنصة الحوارية:

حفنة من اللصوص أم تسلسل هرمي!

طرح المحاور على الضيوف في المنصة السؤال حول جوهر الإمبريالية اليوم، وفيما إذا كان هذا الجوهر يتمظهر بوجود حفنة من اللصوص تستغل الدول المضطَهَدة أم أن ثمة تسلسلاً هرمياً من التبعيات المتبادلة؟ ففي حين قال الحزب الشيوعي السويدي: إن الإمبريالية نظام عالمي يشمل جميع الدول الرأسمالية دون فوارق نوعية بينها فالجميع إمبريالي، وضحت الرفيقة ديما النجار أن الإمبريالية: «هي بالطبع نظام عالمي. إنها المرحلة العليا للرأسمالية. لكن هل نسينا ما هي الرأسمالية؟ الرأسمالية هي تشكيلة اقتصادية اجتماعية محتواها علاقات إنتاج. أما حسب سورنسن (الشيوعي السويدي) فتبدو الإمبريالية وعاءً، وفيه الكثير من حبات البطاطا الكبيرة والصغيرة. هذا خطأ فادح. تتباين علاقات الإنتاج الرأسمالية في النضج بين دولة وأخرى، وكان لينين قد تحدث عن رأسماليات متخلفة ورأسماليات فوق ناضجة. وبالتالي لابد من فهم علاقات الإنتاج في هذا البلد أو ذاك، وعلاقتها بالنظام الدولي ككل لتفسير العالم.
إن الخواص التي حددها لينين للإمبريالية لا زالت صحيحة من حيث المضمون، لكننا لا نتفق بأن تؤخذ هذه الخواص بوصفها check list فلابد للمرء أن يقرأ كتاب لينين عن الإمبريالية بتفاصيله وليس فقط بالعناوين. البعض يقرأ مثلاً: احتكارات، يفحص، فإن وجد احتكارات في تلك الدولة يسارع للاستنتاج بأنها إمبريالية. هذا أمر لا يُعقل. فالاحتكارات حسب ما شرحها لينين هي احتكارات لها تاريخ نشأة، فرأس المال يتركز ويدمر رؤوس الأموال المتوسطة والصغيرة لصالح هذا التمركز. هذا يختلف تماماً عن نشأة الاحتكارات في روسيا التي نشأت تاريخياً من تراكم عمل الشعب السوفييتي، ثم تمت سرقتها بشكل واسع مع انهيار الاتحاد السوفييتي وفي مرحلة يلتسن. فريدريك إنجلز كان قد نوّه أن احتكارات الدولة ليست دائماً شيئاً رجعياً، قد تكون شيئاً تقدمياً، لأنها تقربنا خطوة إلى الثورة عبر تجميع الملكية في مكان واحد، ويبقى إنجاز خطوة الاستيلاء على السلطة.
فيما يخص تصدير رأس المال، لا بد من التمييز بين تهريب وسرقة القيم الزائدة من بلد ما، وهذا ليس تصدير رأس مال بالمعنى الذي تحدث عنه لينين. كما أن تصدير رأس المال يجب أن يكون النشاط الاقتصادي الرئيسي في دولة ما بالمقارنة مع تصدير البضائع، خذ الصين مثلاً، لا زالت الصين مصنع العالم، وهي تنتج الكثير من المنتجات الاستهلاكية، وحجم إنتاج البضائع يفوق بكثير ما تقوم به كتصدير رأس مال.
لا يمكن فهم إمبريالية اليوم دون فهم دور الدولار، هل تعلمون أن ستالين رفض توقيع اتفاقية بريتن ووردز 1944؟ فقد كان واضحاً بالنسبة له أن موضوع العملة العالمية ممثلة بالدولار هي وسيلة لنهب العالم. إن موضوع دور الدولار يرتبط بعمق بآليات الاستعمار الحديث، الديون تمر عبر الدولار، مقص الأسعار يمر عبر الدولار، الدولار يربح من كل عملية اقتصادية تمر عبره. انفكاك الدولار عن الارتباط بالذهب والإنتاج حوّله أداة نهب استثنائية».

الاستعمار؟

في السؤال عن الاستعمار اليوم، تبين أن ثمة أحزاباً وصلت إلى مستويات من الضعف المعرفي لدرجة القول بنهاية الاستعمار، كالحزب الشيوعي السويدي. وهنا تابعت الرفيقة ديما: «إن ما نراه اليوم هو حالة مركبة من الاستعمار القديم والاستعمار الحديث معاً، إن آليات الاستعمار الحديث تتمثل في مقص الأسعار، والقروض، والتبعية التكنولوجية، وهجرة العقول. إن ما هاجر من قوى عاملة سورية يمكن مقارنته بالناتج الإجمالي المحلي لبعض الدول. في عالم اليوم نجد ما يمكن تسميته ما بعد الاستعمار الحديث، حيث أن الشكل القديم للاستعمار عاد من جديد، تعلمون جميعاً أين هي الجيوش الامبريالية، إضافة لعمل آليات الاستعمار الحديث.
ولأولئك الذين يعلنون نهاية الاستعمار فقط لأنّ شكله قد تغيّر، تذكروا أن ماركس عندما توصل لقانون القيمة الزائدة كان قد تأمل في موضوع الاستغلال، ووجد أن شكل الاستغلال الذي ساد في الإقطاع اختفى. لو أن ماركس فعل مثل السيد سورنسن وقال: لا يوجد استغلال في الرأسمالية فقط لأن الظاهرة غيرت شكلها لما كان توصل لقانون القيمة الزائدة، ولا لنظرية ثورية».

الخطوة التالية.. والعالم متعدد الأقطاب

بالذهاب إلى المواقف العملية اليوم، سأل مدير الجلسة كيف يقيم حزب الإرادة الشعبية الوضع في الصين وروسيا الذي يصفهم بأنهم دول تابعة؟ وهل من الصحيح القيام بتحالفات مؤقتة مع البرجوازيات؟ هل عالم متعدد الأقطاب هو شيء تقدمي أم هو فخ لحرف النضال عن الصراع الطبقي في وقت تأزم الطبقة المعادية؟ وفي ردها قالت الرفيقة ديما النجار:
«في الدول التابعة يكون للكومبرادور دور هام في تطبيق آليات الاستعمار الحديث، وعبرهم تكون دول الأطراف مستَغلة مرتين، مرة من قبل المركز الإمبريالي، ومرة من قبل الكومبرادور. وكلما زادت تبعية بلد ما كلما زاد دور الكومبرادور وقل دور البرجوازية الوطنية. على سبيل المثال في سورية: من المشكوك به أنه لا زالت لدينا برجوازية وطنية، لكن علينا أن نستمر بالفرز، إلا أن سورية تغرق في التبعية، مثلا: قبل الأزمة السورية كان لدى سورية 70% علاقات تبادل تجاري مع الغرب، بالطبع قبل العقوبات.
إن عالماً متعدد الأقطاب هو بالطبع خطوة تقدمية، نعتقد أن وجود قطب واحد يعمق إمكانية استغلال دول الأطراف. نرى أنه الآن وأثناء النضال لعالم متعدد الأقطاب بدأت تنفتح الآفاق لدول الأطراف- مثلاً في إفريقيا وآسيا- وتتاح إمكانيات للمناورة لتحسين أوضاعنا، فنحن لدينا مثلاً مصلحة كبيرة أن نكون في سورية جزءاً من مشروع الحزام والطريق.
ولأن الإمبريالية اتخذت قرار الحرب على روسيا والصين، وهما تتعرضان اليوم لمعركة وجودية، فمن خلال دفاعهم عن أنفسهم ضد الإمبريالية ستندار الشعوب هناك ضد الرأسمالية في البلد نفسه، كما تنبأ لينين سابقاً. لا يمكن للنصر أن ينجز تماماً دون ذلك. حتى في الحزب الشيوعي الصيني توجد تناقضات وكتل، والآن ربما صار من الضروري جداً أن تنتصر الكتلة التي تأخد موقفاً صارماً بالصدام مع الإمبريالية، والتراجع عن العلاقات الرأسمالية في البلد.. فيما مضى كان من الذكي جداً ما قامت به الصين، فقد فهموا جيداً آليات الاستعمار الحديث، وعملوا ضدها. لقد فتحوا الأسواق، لكن بشرط الحصول على التكنولوجيا، وبهذه الطريقة قاموا بتطوير قوى الإنتاج لكي تقوم ببناء الاشتراكية، لا يمكنك بناء الاشتراكية دون ذلك، وهذا كان ضرورياً...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1090