«حضن الوطن» لمن يدفع أكثر!
لاجئ سوري لاجئ سوري

«حضن الوطن» لمن يدفع أكثر!

أنا إنسان أؤمن بأنّ الحبّ قوة تغيير أيضاً، إذا تمكّن من الانسجام مع خطّة عقلانية واقعية ونضالٍ لتحقيقها، وليس «الحبّ المرضي» الذي يعظنا به ويطالبنا به الفاسدون والناهبون، فهو يعني بالنسبة إليهم أنْ نرضى بالـ «عيش» في «حضن واحد» معهم، وهم يكتمون على أنفاسنا ويعرضوننا لاستغلال الداخل والخارج، ويعني بالنسبة إليهم: استعداد الفقراء لقبول الإذلال في لقمتهم وكرامتهم، والاستمرار في إطعام كبار الفاسدين وصغارهم، وتجّار الحرب ومافيات الاستيراد ورفع الأسعار والتهجير والتدمير...

و«الحبّ المَرَضيّ» الذي يطالبوننا به هو أن «نحبّ» ملء جيوبهم الخاصة، أو حتى جباية عائدات للخزينة «العامة» ليس بشكل وطني سليم.. بل فقط بحيث يعاد توزيع محتوياتها لا لصالح تخفيف معاناة الفقراء والعمال والفلاحين والمنتجين وتحسين أوضاعهم، بل تحديداً على حساب أجورهم وحقوقهم عبر رفع الأسعار، وبالتالي الأرباح، أكثر بكثير من الأجور، بل وحتى القضاء على ما تبقى من «الدعم» الذي لم يكن بالأصل إلا آلية تشبه «مسمار أمان» نسبيّ، وُضِعَ تاريخياً ليعزل الفتيل عن الصاعق ضمن قنبلة الانفجار الاجتماعي التي كانت وما زالت تزداد ضغطاً وخطورة مع كل زيادة للظلم في توزيع الثروة الوطنية. وكلّ هذه الآليات المختلفة في هجمة أصحاب الأرباح الشرسة على افتراس المزيد من لحم أصحاب الأجور، بل الأصح القول «عظامهم» لأنه لم يعد فيهم «لحم»، كل هذه الآليات لحرمان أغلبية السوريين مزيداً من المواد والسلع والخدمات تتم بذريعة «الحصار» و«الصمود» التي سرعان ما تسقط وتكذّب نفسها بنفسها عندما يتم طرح هذه المواد والخدمات «المقطوعة» في المزاد العلني الوقح لمَن يدفع أكثر! ادفع أكثر وخذْ ما تشاء من كهرباء 24/24، «معك قرش تسوى قرش».. ليس معك؟ إذاً ابتعد! فلقمة خبزك، وشعلة دفئك، ودواء مرضك، وخط كهربائك واتصالاتك وغيرها... كلّها ستذهب إلى «القرش» الذي يدفع أكثر...
غريبٌ أمرك أيّها اللاجئ السوري أينما كنت! ألم تسمع «حضن الوطن» وقد بُحَّ صوته وهو يناديك ويناشدك العودة؟ لكن الحيتان «المحرومين من الدعم» وبعد أن بحّ صوتهم، أكلوا «سكّر نبات» ثم ذهبوا إلى العشاء الفاخر في فيلّاتهم وفنادقهم الفارهة بجوار موقد ضخم جميل يحرق كميات هائلة من الوقود «غير المدعوم». أمّا أنت يا فقير، سواء خارج الوطن أو داخله، فإنّ الوطن يقبع داخلك جائعاً برداناً، ربّما تحت بطانية في أحد الأحياء العشوائية في سورية، أو في خيمة بائسة على حدود بولندا، تداري دمعة في عينك وتزدردّ لوعة الفقر أو الغربة أو اللجوء، وخاصةً وأنت تشاهد مثلاً أخاك اللاجئ العراقي وقد بعث إليه وطنه طائرةً خاصة على حسابه لكي يستردّه إلى حضنه، في حين أنّ طائرات بلادك مشغولة هذه الأيام في مطارات أخرى في العالم لترفيه «غروبات سياحية» وتأمين «حضن الوطن» لمن يدفع أكثر... ومع كل الألم، لكنّي أعرف وأؤمن بأنّ أغلبية السوريين لا بد من أن يتوحّدوا قلباً وعملاً للحلّ السياسي الصحيح لأزمتهم، وبناء سورية الجديدة بحيث يصحّحون تعريف «حضن الوطن» بأنّه ليس لمن يدفع أكثر، بل لمن يعملون أكثر بطريقة ينالون فيها حقوقاً عادلة أكثر ومن ثمار عملهم بالذات، وستكون وطناً لمن ينتج أكثر ويزرع أكثر ويصنع أكثر ويحبّ أكثر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1046
آخر تعديل على الإثنين, 06 كانون1/ديسمبر 2021 13:09