لماذا سعار الحكومة الألمانية اتجاه القضية الفلسطينية والمهاجرين؟!
منتصر رائد منتصر رائد

لماذا سعار الحكومة الألمانية اتجاه القضية الفلسطينية والمهاجرين؟!

بدا هايكو ماس، وزير الخارجية الألماني، حزيناً حقاً على الجدران التي تهدمت في تل أبيب خلال زيارته لها، ولكن لم ير من الضرورة زيارة غزة التي قتلت فيها «إسرائيل» 75 طفلاً خلال 11 يوماً... فأرواح الحيطان الإسرائيلية أهم من أرواح الأطفال الفلسطينيين بالنسبة للحكومة الألمانية!

يعتقد الكثيرون أنّ الموقف الأكثر وقاحة ضمن الغرب في معاداة الشعب الفلسطيني هو الموقف الأمريكي، لكن الحقيقة هي أنّ الموقف الألماني أكثر وقاحة ومباشرة...
ربما لم يقف الكثيرون عند الموقف الألماني مما جرى في فلسطين المحتلة، لا لشيء سوى أنّ وزن ألمانيا الفعلي على الساحة الدولية، وضمن الساحة الشرق أوسطية، هو وزن ثانوي ولا يمكن اعتبارها طرفاً أساسياً وازناً في أية معادلة من معادلات المنطقة، وذلك رغم أنّها تنشط بشكل كبير بالعمل وراء الكواليس وعبر منظمات المجتمع المدني خاصة وغيرها من الصيغ...
ولكن لأنّ لدورها باعتقادنا وزناً ما، وخاصة بالارتباط بالمسألة السورية بحكم العدد الكبير من السوريين اللاجئين فيها، فإنّ من المهم دراسة موقفها مما جرى في فلسطين، ليس فقط لفهم الاصطفاف المعروف مسبقاً للحكومة الألمانية، بل وأبعد من ذلك، لفهم حقيقة موقفها مما يجري في سورية، والذي لا يتعدى برأينا أن يكون امتداداً للموقف الصهيوني، شأنه شأن الموقف الفرنسي، بل وأكثر وقاحة ومباشرة من الموقفين الفرنسي والأمريكي.

الموقف من فلسطين

بلا حياءٍ، ومتجردة من كل قيمة إنسانية، أعلنت ألمانيا دعمها الكامل للكيان الصهيوني في حربه على الشعب الفلسطيني. تجلى ذلك في البرلمان الألماني (البوندستاغ)، وفي البرلمان الأوروبي، وفي محطات أخرى متعددة ليس آخرها زيارة وزير خارجيتها هايكو ماس وتفقده للبيوت المهدمة في تل أبيب.
ففي البوندستاغ، في جلسة الأربعاء، 19/5، أعلنت جميع الأحزاب الممثلة في البرلمان من «يسارها» إلى أقصى يمينها دعمها لما اعتبرته «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها». الاختلاف الطفيف بالخطاب في لهجات أحزابها لم يخرج عن إطار الصفاقة في التعامل مع القضية الفلسطينية، حيث نوّه حزب اليسار على لسان غريغور غيزي بأن «قصف مكان مكتظ بالمدنيين مخالف للقانون الدولي»، وأقر بأن «هنالك سبباً لصواريخ حماس» لكنه استدرك بالقول بأنه «لا يبررها»، ثم أتبع ذلك باقتراح خارق، إذ قال حرفياً: «كل من فتح وحماس فاشلتان، لكن حماس تكتسب احتراماً أكبر بين الفلسطينيين لأنها تعتبر أكثر مقاومة» ثم تساءل «لماذا لا تقوم الحكومة الإسرائيلية والحكومات الغربية وحكومتنا بتوفير فرص النجاح لفتح لتتحسن سمعتها بين السكان»، فمن الواضح أن حزب اليسار الألماني لم يفهم بعد أن الانتفاضة التي تخرمش سرة السماء لا تسير وراء الفاشلين، الذي بسيرهم وراء أوسلو سمحوا له ولأمثاله أن يتحدث عن السلطة الفلسطينية دون أدنى احترام للاعتبارات الدبلوماسية لدولة ذات سيادة.

النازيون الجدد، كما القدامى، يناصرون الصهيونية

أما اليمين المتطرف الممثل في البرلمان بحزب البديل من أجل ألمانيا (AFD)، والذي لطالما أيد مظاهرات ما يسمى الـ Querdenker التي جابت شوارع ألمانيا السنة الماضية منكرة وجود الكورونا وقامت من بين إساءات كثيرة بممارسات بشتمها اليهود بوصفهم يهوداً واتهامهم بالتآمر مع الصين للسيطرة على العالم عبر اختراع الكورونا. هذا الحزب طالب على لسان آرمن باول هامبل ممثله في البوندستاغ بإيقاف الدعم للأونروا، قائلاً: «أوقفوا تدفق الأموال التي تدفع من جيوب دافعي الضرائب الألمان التي تمول الإرهابيين في فلسطين».
وتعرضت مرشحة حزب الخضر لمنصب المستشارية الألمانية آنالينا بيربوك لهجوم شرس الأسبوع الفائت لأنها كانت قد انتقدت منذ بضع سنوات تصدير ألمانيا للسلاح وشملت «إسرائيل» بهذا النقد. وقتئذ «لم يكن على كلامها جمرك»، ويبدو أنه كان يهدف لاجتذاب قلوب محبي السلام، لكن الآن تدرك أنه لا يمكن لها أن تصل إلى منصب المستشارة الألمانية ما لم تلتزم بحماية أمن «إسرائيل»، لذا تراجعت عن هذا النقد فيما يخص الكيان وقالت: إنها في 2018 عندما أدلت بهذا التصريح لم تكن متأكدة فيما إذا كانت الغواصات المصدرة للكيان ستستخدم في نشاطات نووية. وأعلنت التزامها بما أسمته «المصلحة الوطنية في الدعم غير المشروط لإسرائيل».

وفي وسائل الإعلام أيضاً

وفي انسجام مع هذه العقلية التي عبرت عن نفسها في البوندستاغ، قادت وسائل الإعلام حملة للتوتير الاجتماعي ضد المهاجرين في محاولة لبث الكره اتجاههم متهمة إياهم بمعاداة السامية؛ (وذلك ضمن التعريف الصهيوني للسامية بأنها مطابقة لليهودية، في حين أنّ قسماً كبيراً من المهاجرين المتهمين بمعاداة السامية هم أنفسهم ساميّون، رغم أنّ العلوم الأنثروبولوجية قد ألقت جانباً، ومنذ عقود، كل الكلام عن الحامية والسامية)؛ فالبوندستاغ كان قد تبنى تعريفاً لمعاداة السامية وضع من قبل ما يسمى «التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة» International Holocust Remembracne Allianz (IHRA) الذي تعرض بحد ذاته لنقد من جمعيات يهودية، مع ذلك تم تبنيه من عدد من الدول بينها ألمانيا. لكن ألمانيا لم تكتف بتبني هذا التعريف كما هو، بل أضافت إليه جملة تقول: إن «معاداة السامية تشمل الهجوم على دولة إسرائيل، التي تُفهم كتجمع لليهود»، وبناء عليه اتخذ البوندستاغ في 17 أيار 2019 قرارات ضد حركة مقاطعة البضائع الإسرائيلية الرافضة للاستعمار. وفي هذا الإطار كانت أنجيلا ميركل من أكثر المتطرفين في صياغة السياسة الخارجية لألمانيا حيث قالت في 18 آذار عام 2008 أمام الكنيسيت: «إن هذه المسؤولية التاريخية لألمانيا هي جزء من المصلحة الوطنية Staatsräson لبلادي، هذا يعني أن أمن إسرائيل بالنسبة لي أمر لا يمكن التفاوض عليه أبداً».

العصا النازية نفسها، تستخدم اليوم ضد الشعب الألماني!

الحقيقة أن الألمان ليسوا جميعاً ممن ارتكبوا الجرائم في عهد النازية، بل إن الحزب النازي فعلها. وليس سراً أن وراء صعود الحزب النازي كان الدعم المالي المنقطع النظير من قبل رؤوس الأموال الألمانية والبريطانية بالدرجة الأولى. فقد كتب هاينرش برونينغ المستشار الألماني لجمهورية فايمر الألمانية بين عامي 1930 و1932 في رسالة خاصة إلى تشرشل أرسلها عام 1937: «بدأ صعود هتلر الحقيقي عام 1929، عندما رفض كبار الصناعيين الألمان وغير الألمان الاستمرار في الدعم المالي لعدد كبير من المنظمات الوطنية» ويتابع أن هذه المنظمات كانت بالنسبة لرؤوس الأموال «تقدمية زيادة عن اللزوم فيما يتعلق بتوجهاتها الاجتماعية»، يقول: «كانوا سعداء بأن هتلر أراد حرمان العمال جذرياً من الحقوق، فكل الأموال التي كانت تتدفق لغير منظمات صارت تصب لدى هتلر وهذا كان بداية الفاشية». هكذا بدأت النازية وهكذا يريدون تلبيس جريمة رؤوس الأموال للشعب الألماني بكامله! ومن ثم للمهاجرين وللشعب الفلسطيني.
واليوم يريد رأس المال الألماني للمهاجرين الذين ساهمت الحكومة الألمانية في تدمير بلدانهم عبر السلاح وأجهزة مخابراتها والعقوبات والتزامها بدعم وصفات الفوضى الخلاقة الأمريكية- الصهيونية، يريد لهم أن يكونوا عمالة وافدة دون حقوق سياسية للتعبير عن موقفهم من مستعمريهم، وتريد بث الكره بينهم وبين العمال الألمان بكيل الاتهامات لهم بأنهم معادون للسامية. تسعى الحكومة الألمانية إلى التدمير الاستباقي لكل تقارب محتمل بين العمال، فلا تعدم مناسبة دون استغلالها لتقدم الصراعات الاجتماعية عبر ثنائيات مزيفة مسلم/غير مسلم، مهاجر/ألماني، معادٍ للسامية/محب للسامية، ملون/أبيض.. إلخ محاولة دفع التناقضات الثانوية للواجهة للتعتيم على التناقض الأساسي رأس المال/شعوب الذي قد يهدد مصلحة رأس المال جذرياً مع زيادة وعي العمال واتحادهم.
وفي السياق السوري، لا يمكننا أن نغمض أعيننا عن السياسة الألمانية اتجاه الشعب الفلسطيني، لأنها لا تنفصل بحال من الأحوال عن السياسة الألمانية اتجاه كامل منطقتنا، بما في ذلك بلدنا... ما يضع على بساط البحث مهمة إعادة النظر سريعاً بشتى أنواع الادعاءات الإنسانية الفارغة التي تلقيها الحكومة الألمانية، خاصة بالنسبة لأولئك الغافلين عن أهدافها، وعن صدق نية غالباً...

(النسخة الانكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1019
آخر تعديل على الإثنين, 24 أيار 2021 14:49