«عصر جديد» للتوتير الأمريكي ضد الصين

«عصر جديد» للتوتير الأمريكي ضد الصين

قال مؤخراً، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر: إن الوضع الحالي للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين يحمل بذور عصر جديد من «الحرب الباردة». ولا يستند هذا التقييم إلى سلسلة من حلقات المواجهة التي وقعت في السنوات الماضية (منذ عام 2016) فحسب، بل أيضاً من الاحتمالات العالية التي تشير إلى المزيد من المواجهة.

يوضح تقييم كيسنجر كيف أن إدارة جو بايدن لا تختلف عن إدارة ترامب السابقة من حيث سياستها تجاه الصين. ففي حين تعرِّف إدارة بايدن علاقاتها مع الصين بأنها «تنافسية للغاية»، فإن طبيعة المنافسة المطروحة للنقاش اليوم تدور حول إثارة العديد من الصراعات العسكرية وغير العسكرية، إن لم تكن مواجهة شاملة.

تقديرات الذعر الأمريكي

تقدم التقييمات الاستخباراتية الأمريكية دلائل عدّة على جدية التوتر في العلاقات الأمريكية الصينية، وتظهر أن التوترات تتغلغل في جميع جوانب العلاقات الثنائية وتحديداً الدفاع والسياسة الخارجية والاقتصاد، ما يمثّل تعريفاً فعلياً لـ«الحرب الباردة».
ووفقاً لـ«التقييم السنوي للتهديدات» الصادر عن وكالات الاستخبارات الأمريكية، برزت الصين كأكبر تهديد للمصالح الأمريكية في القرن الحادي والعشرين بزعم «سعي الحزب الشيوعي الصيني للوصول إلى وضع القوة العالمية»، وهو هدف لا يمكن تحقيقه كما تعتقد أجهزة الاستخبارات الأمريكية إلا على حساب نزع تفوق الولايات المتحدة عالمياً. وعلى هذا النحو، فحتى في الوقت الذي تستمر فيه السلطات الصينية في التأكيد على قيم التنمية السلمية، فإن الولايات المتحدة تستمر في تقييم علاقاتها مع الصين بعبارات صدامية تترجم فيها مكاسب الصين تلقائياً إلى خسائر بالنسبة للولايات المتحدة،
ووفقاً لتقييم الاستخبارات: «تجمع بكين بشكل متزايد بين قوتها العسكرية المتنامية ونفوذها الاقتصادي والتكنولوجي والدبلوماسي للحفاظ على الحزب الشيوعي الصيني، وتأمين ما تعتبره أراضيها وبروزها الإقليمي، ومواصلة التعاون الدولي على حساب واشنطن». وتشمل مجموعة الأنشطة الإقليمية والعالمية لبكين إستراتيجية تستخدم بموجبها «أدوات منسقة وكاملة للحكومة لإظهار قوتها المتنامية وإجبار جيرانها الإقليميين على الإذعان لتفضيلات بكين، بما في ذلك مطالبها بالأراضي المتنازع عليها وتأكيدات السيادة على تايوان»، وتهدف هذه الإستراتيجية إلى ترسيخ التفوق الصيني على المستوى العالمي، حسب زعم التقرير الذي وصل إلى استنتاج أنه: «سوف تواصل الصين السعي إلى تحقيق أهدافها المتمثلة في أن تصبح قوة عظمى، وتأمين ما تعتبره أراضيها، وترسيخ تفوقها في الشؤون الإقليمية من خلال بناء جيش عالمي المستوى، قد يؤدي إلى زعزعة استقرار المعايير والعلاقات الدولية. ويتضمن التزام الصين العسكري جدول أعمال متعدد السنوات لمبادرات الإصلاح العسكري الشاملة. ونتوقع من جيش التحرير الشعبي الصيني مواصلة تطوير المنشآت العسكرية الخارجية واتفاقيات القواعد العسكرية لتعزيز قدرته على إبراز القوة وحماية المصالح الصينية في الخارج. وتعتبر القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي الصيني والقوات الجوية لجيش التحرير الشعبي الصيني الأكبر في المنطقة وتواصل وضع منصات متقدمة بعيدة المدى تحسن قدرة الصين على إبراز قوتها».

فقدان الهيمنة والإجماع الحزبي

فيما يتعلق بالترسانة النووية لبكين، يقدّر التقرير أن «الصين ستواصل تسريع توسيع وتنويع المنصات في ترسانتها النووية، حيث تعتزم مضاعفة حجم مخزونها النووي على الأقل خلال العقد المقبل، وطرح ثالوث نووي»، كما تخشى الولايات المتحدة منافسة شديدة مع الصين في مجال الفضاء والأمن السيبراني.
يوضح التقييم أن إدارة جو بايدن ستكون أكثر ميلاً للاستعداد لـ«عصر جديد من الصراع» مع الصين، ومقاومة الجهود الصينية لاستهداف ما يصفه التقرير المذكور بأنه «قطاعات تكنولوجية رئيسية وتكنولوجيا تجارية وعسكرية مملوكة من الولايات المتحدة وشركات الحلفاء ومؤسسات البحوث المرتبطة بالدفاع والطاقة والمالية وغيرها من القطاعات». ويعكس التقرير فعلياً ما حدث في اجتماع وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، مع نظيره الصيني، وانغ يي، في آذار الماضي، حيث أثار «المخاوف العميقة» لبلاده بشأن إستراتيجيات الصين العالمية والإقليمية، بما في ذلك تجاه تايوان وهونغ كونغ وشينجيانغ، والهجمات الإلكترونية التي تشنها بكين و«إكراهها» الاقتصادي تجاه حلفاء الولايات المتحدة، وأعقب تصريحات بلينكن خطاباً طويلاً استغرق 16 دقيقة ألقاه كبير الدبلوماسيين الصينيين أدان فيه الولايات المتحدة بلا تهاون باعتبارها دولة مسيئة وعنصرية ومنافقة تحمي هيمنتها على حساب ما تسميه الصين «مجتمع المصالح والمصير المشترك».
وكان التبادل العنيف للتعليقات على المستوى الدبلوماسي مؤشراً لما تحوَّل الآن بالفعل إلى «عصر جديد من الصراع» على المستويات العسكرية والاقتصادية والسياسية والتكنولوجية. وما يجعل «عصر الصراع» هذا أكثر خطورة من «الحرب التجارية» التي شنها ترامب سابقاً هو أن إدارة بايدن تبدي اليوم مرونة أكبر في سبيل تجميع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة ضد الصين. حيث بيّنت قمة «السبعة الكبار» التي عقدت مؤخراً كيف أن الولايات المتحدة تحاول استعادة تشكيل الخطاب الغربي والسيطرة عليه في مواجهة الصين.
كما أن قيام إدارة جو بايدن بتوسيع «الحرب التجارية» التي شنها ترامب يعكس إجماعاً واسعاً بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على أن الولايات المتحدة ترى في الصين منافساً عالمياً يحتاج إلى مواجهة فعالة، بما في ذلك من خلال الطرق التي تنطوي على احتمالات الحرب الباردة، مثل التحالفات الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة).
الإجماع الثنائي الحزبي الأمريكي على مواجهة صعود الصين كقوة عظمى اقتصادية وعسكرية وتكنولوجية ليس أكثر من استجابة نموذجية متوقعة لقوة عظمى قديمة يتضاءل وزنها. وتظهر ردود الصين أن قدرة بكين على الوقوف في مواجهة البلطجة الأمريكية قد زادت وتصاعدت، وأنها سوف تستمر في تحدي الأحادية الأمريكية ليس فقط من خلال قدرتها الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، بل أيضاً من خلال التعاون مع روسيا بما يساهم في حسم نتيجة المواجهة وتكبيل وتقييد ما تبقى من قدرات أمريكية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1019
آخر تعديل على الإثنين, 24 أيار 2021 12:51