افتتاحية قاسيون 1010: الثمن الذي ستدفعه «إسرائيل»
يختصر البعض الدور التخريبي الذي يلعبه الكيان الصهيوني في سورية بالاعتداءات الجوية التي ارتفعت وتيرتها منذ انفجار الأزمة عام 2011، وزادت كثافتها بشكل كبير منذ 2018 تقريباً.
الحقيقة، أنّ الدور الصهيوني أكبر وأبعد من الغارات الجوية، بل وأبعد حتى من الحديث عن عملاء نفوذٍ يعملون في مختلف أطراف الصراع السوري؛ إذ إنّ بداية الدور التخريبي كانت قبل ذلك بكثير...
وجود كيانٍ عدوانيٍ على التخوم، ويحتل جزءاً من الأرض، ويحمل رغبات التوسع، أضر بشكل كبير ومتواصل بالنمو والتنمية، واستنزف موارد اقتصادية ضخمة طوال عقود، بما في ذلك تضخم دور المؤسسات العسكرية والأمنية، الذي بدأ كاستجابة موضوعية للخطر، ثم تحول مع الوقت، ومع حالة الطوارئ المستمرة، إلى أداة وذريعة للقمع السياسي، ولكتم الحريات ولتعميق مستويات النهب والفساد.
وبكلمة مختصرة: إنّ وجود الكيان الصهيوني على تخومنا، كان أحد الأسباب العميقة لانفجار الأزمة عام 2011. وهذا لا يقلل بحالٍ من الأحوال من مسؤولية الحرامية والمتنفذين داخل جهاز الدولة، والذين استخدموا شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» ليس من أجل المعركة، بل كعصا فوق رؤوس الناس إن هم فكروا بالمطالبة بحقوقهم.
ما لا تخطئه العين هذه الأيام، هو ارتفاع النشاط الصهيوني بما يخص سورية إلى درجة مسعورة؛ ليس عبر الغارات الجوية فحسب، بل وعبر عملاء وطروحات من خارج 2254، ومن جهات مختلفة، وعبر منابر مختلفة.
وإذا كان البعض يقرأ هذا السلوك ضمن أفق ضيق محدود بصراع «إيراني- إسرائيلي»، فإنّه يخطئ كثيراً؛ فالمسألة أبعد من ذلك بما لا يقاس، ومفتاح فهمها هو الحقيقة التالية: «إسرائيل» لم تكن يوماً إلّا امتداداً للنفوذ الغربي، نشأت في منطقتنا ضمن توازن دولي محدد وبحماية القنبلة النووية... واليوم يعيش العالم انتقالاً كبيراً وتاريخياً في موازين القوى الدولية، يتراجع بموجبه الغرب ومشروعه العالمي، ويصبح الكيان الصهيوني نفسه، موضع تهديد وجودي كبير... (تكفي متابعة مراكز أبحاث العدو للوقوف على حجم الهلع الذي يعيشه، بعيداً عن مسرحيات التطبيع الهزلية مع دول مطبعة منذ عقود).
التطبيق الكامل للقرار 2254، يعني في جوهره ترجمة التوازن الدولي الجديد في منطقتنا، من حقيقةٍ يعرفها الجميع، يعترف بها البعض وينكرها البعض، إلى حقيقة ملموسة ببعدها السياسي المباشر. ويعني ضمناً: أن قرارات الشرعية الدولية ستكون موضع التنفيذ، وعلى رأسها 242 و338. هذا التحول يعني انتهاء التوازن الذي وجد على أساسه مشروع الكيان الصهيوني في فلسطين.
بهذا المعنى، فإنّ ما يجب أن يكون واضحاً تماماً، هو أنّ حلاّ حقيقياً للأزمة السورية، وخروجاً فعلياً منها، لا يمكن أن يكون ناجزاً دون استعادة الجولان السوري المحتل، ودون إنهاء الميول التوسعية للكيان الصهيوني... أي إنّ التطبيق الكامل للقرار 2254 بما ينص عليه من احترام لوحدة وسيادة سورية، وإنهاء للأسباب العميقة للأزمة، إنما يعني ضمناً استعادة الجولان السوري المحتل.
السعار الصهيوني الذي نراه هذه الأيام، وبتعبيرات عديدة جداً ومتنوعة جداً، هو تعبير عن فهم عميق للحقائق أعلاه. ويبقى أن نقول لأولئك الذين يراهنون على حصة الكيان الصهيوني من الحل في سورية: إنّ عليهم أنْ يعلموا أنَّ حصة الكيان ستكون إعادة الجولان السوري المحتل كاملاً غير منقوص على أساس القرار 242، وحصة المراهنين على الكيان، أياً كانوا، هي خسارة أي احتمال لمستقبل سياسي في سورية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1010