افتتاحية قاسيون 1005: حجم الفقاعة... وحجم الفرصة
تتفاعل حتى اللحظة، عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، الأحاديث عن «مجلس عسكري يقود المرحلة الانتقالية». وإنْ كان من المفهوم أن قسماً من السوريين يعبّرون بتفاعلهم عن حاجتهم الملحة للخروج من المستنقع الكارثي والقاتل للأزمة الطاحنة المستمرة منذ 10 سنوات، حتى ولو عبر «التعلق بحبال الهواء»، فإنّ ما ينبغي فهمه هو غايات أولئك الذين يصنّعون حبال الهواء ويورطون الناس بالتعلق بها...
أول ما ينبغي قوله هو أنّ فكرة «مجلس عسكري»، وبالطريقة التي يجري طرحه بها، ليست اختراعاً جديداً إطلاقاً، وليست «حلاً سحرياً» لم يخطر ببال أحد قبل طرحه مؤخراً، بل هي تكرار لأفكار جرى طرحها منذ 2012 تقريباً. ميزة هذه الأفكار، هي أنها خارج أي قرار دولي (بما في ذلك بيان جنيف في حينه)، وخارج أي توافق سوري، بل كمرادف لعملية استلامٍ وتسليمٍ للسلطة. أي إنها عودة لشعارات الحسم والإسقاط، وفي توقيت مدروس وبغرض مدروس يتضمن «قتل الوقت» عبر إشغال الناس والقوى بالنفخ في قربة مقطوعة...
لا حاجة لاختراع حلٍ للأزمة السورية؛ فالحل معروف وواضح ويجري تعطيله منذ سنوات عديدة، ومن جهات واضحة ومعروفة من الأطراف المختلفة. الحل واضح ومبني على أساسين: تطبيق القرار 2254 كاملاً، وعبر التوافق بين السوريين على آليات التنفيذ. وأيّ طرحٍ خارج هذين الأساسين، غرضه هو تعقيد الأزمة وتأخير حلّها، وتالياً إطالة معاناة السوريين.
إنّ ما يجري طرحه يتجاهل هذين الأساسين معاً؛ فمن جهة، يقفز فوق «الحكم ذي المصداقية الشامل للجميع وغير الطائفي» وفوق «جسم الحكم الانتقالي»، ويبدلهما جسماً عسكرياً، علماً أنّ وجود مجلس عسكري كجزء تابع لجسم الحكم الانتقالي هو أمر قابل للنقاش، وربما يكون ضرورياً. من جهة أخرى، يقوم الطرح على أساس الفرض من الخارج ضمن العقلية ذاتها التي تسولت من خلالها بعض الشخصيات والقوى التدخل الخارجي والحظر الجوي، وهذه العقلية هي الابنة الشرعية للعقلية الاستعمارية الغربية، القديمة والجديدة...
إنّ القفز فوق القرار 2254 هو عودة إلى ما قبل المربع الأول. وحتى ولو حاول البعض ليّ عنق القرار عبر الادعاء أنّ الفكرة التي يجري طرحها ليست من خارجه، وليست متعارضة معه، فإنّ ذلك يخدم غاية واحدة واضحة، هي الالتفاف على الإمكانات التي يفرضها الواقع لحل الأزمة السورية، وخاصة ضمن التوقيت الذي يجري طرح هذه الأفكار فيه...
بوضوح أكبر، إنّ فشل الاجتماع الخامس على التوالي للجنة الدستورية في تحقيق أيّ تقدم، يضع الأطراف السورية المحلية والأطراف الدولية، أمام استحقاق البحث عن منهجية مناسبة لدفع عمل اللجنة نفسها، ولدفع العملية السياسية ككل... أي إنّ استحقاق البحث عن مخرج من تعطيل المتشددين ضمن قاموس 2254 هو الاستحقاق الموضوع على الطاولة موضوعياً...
ولأنّ المتشددين لديهم جداول عملهم الخاصة بهم بعيداً عن مصالح الشعب السوري، فإنّ المطلوب هو إبعاد احتمال الانتقال نحو خطوات جدية في تطبيق الحل السياسي، وإضاعة أكبر قدر ممكن من الوقت... في هذا التوقيت بالذات تخرج فقاعة «المجلس العسكري»!
المهم في المسألة بأسرها، هو أنّ حجم الإصرار على تعويم هذه الفكرة، ليس إلّا تعبيراً عن حجم الفرصة الحقيقية للمضي قدماً في تطبيق الحل السياسي الفعلي عبر 2254...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1005