لماذا يريدون استمرار الحرب؟
يكشف سلوك المتشددين السوريين بشكل يومي، ليس عن انعدام رغبتهم في التوجه إلى حل شامل ينهي حالة «تقسيم الأمر الواقع» الراهنة فحسب، بل وعن رغبتهم في استمرار تلك الحالة وتكريسها.
ربما أهم المؤشرات بهذا الاتجاه هو التعامل غير المسؤول مع الحل السياسي، بالتوازي مع الادعاءات (كل من طرفه)، بأنّ الظروف في «مناطق سيطرته»، تتحسن بشكل تدريجي، بل وهي أوضاع باتت تسمح ببداية عودة اللاجئين! وذلك في تناقض تام مع الوقائع التي تقول: إنّ وضع السوريين في كل مناطق سورية، هو كل يوم أسوأ من الذي قبله.
أضف إلى ذلك، نوعية الخطاب السياسي الذي تنتجه هذه الأطراف المتشددة، والذي يحمل جوهراً متطابقاً هو القول بأن «الحل» يمر حصراً عبر القضاء النهائي على الآخر. هذا الخطاب كان يتخذ في مراحل سابقة من شعاري «الحسم والإسقاط» مركزاً له، ولما لم يعد ممكناً استخدام هذه الشعارات، لأنها تظهر أصحابها بشكل مفضوح كأعداء للحل السياسي وللقرار 2254 بالذات، فإن المتشددين (ومن كل الأطراف) أجروا تعديلات هنا وهناك على خطابهم؛ فبات التركيز على وسم الطرف الآخر بالإرهاب وبجرائم الحرب وبالانفصالية وإلخ، هو الوسيلة غير المباشرة للقول: «لا يمكن الحوار مع هذا الآخر، والحل هو في القضاء عليه».
الأكثر إثارة للدهشة، هو أنّ الأطراف المتشددة تذهب أبعد من ذلك وصولاً إلى التبجح بأنها تسير نحو «تعزيز الديمقراطية»، ضمن أشكال ووسائل عديدة بينها «الانتخابات».
يمكن أن يقول المرء أشياء وتفاصيل كثيرة في هذا الشأن، ويمكن أن يربطها دائماً بعبارة جيفري (المبعوث الأمريكي السابق لسورية) عن أنّ حالة الجمود وانسداد الأفق في سورية، هي بالذات الاستقرار المطلوب. ويمكن أيضاً الحديث عن مصالح أمراء الحرب في استمرار هذا «الجمود»، والذي يراكمون من خلاله ثروات فلكية، بما في ذلك عبر العقوبات الغربية... ولكن ما سنتطرق له هنا هي فكرة واحدة فقط في إطار الإجابة عن السؤال: «لماذا يريدون استمرار الحرب؟».
«لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»
ما دامت «المعركة» قائمة ومستمرة، فلا صوت يعلو فوق صوتها؛ وبكلام آخر، ما دامت المعركة قائمة، فأصحاب القوة العسكرية المنظمة، أياً تكن تلك القوة، هم أصحاب القول الفصل في كل شيء... وكأن هذا الواقع هو التجسيد المباشر لكلمات مظفر النواب: «دورياتُ الإخصاءِ تجوبُ الشارعَ/ أغربُ شيءٍ…/ أيُّ فمٍ يُفتحُ…/ فوراً يَجري التَّخديرُ ويُخصى/ ما هذا الصَّمتُ المتحركُ بالشّارعِ إلّا إخصاءُ».
بهذا المعنى، فإنّ العمليات «الديمقراطية» التي تروج لها الأطراف المختلفة بعيداً عن القرار 2254 وبعيداً عن الحل السياسي، وفي أطر جزئية لا تشمل كل السوريين، وفي ظروف وأجواء تسيطر عليها حتى اللحظة هذه «القوى المنظمة الحاملة للسلاح»، ليس أكثر من تصنيع لأفواه مدنية «تشرعن» القوى المتحكمة نفسها، وأخطر من ذلك أنها تسعى إلى شرعنة التقسيم، في الوقت نفسه الذي تصرخ فيه ضد الآخرين، وفي تعميم يشمل الصالح والطالح، بوصفهم عملاء وإرهابيين وانفصاليين...
ليس ما يجري جديداً بالكامل بالمعنى التاريخي؛ فالأمثلة عديدة ومكررة على ميل أمراء الحرب إلى شرعنة أنفسهم في نهايتها كمنقذين وحافظين لـ«السلم الأهلي».. يكفي النظر إلى لبنان والعراق.
ولكن الجديد حقاً بالمعنى التاريخي، هو أنّ التوازن الدولي الذي سمح بنماذج لبنان والعراق قد انتهى إلى غير رجعة، وانتهت معه لا صلاحية هذه النماذج فحسب، بل وباتت إمكانية تطبيقها الواقعي أقرب إلى الصفر.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 995