اللاجئون السوريون في المخيمات وشتاء آخر..
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

اللاجئون السوريون في المخيمات وشتاء آخر..

يواجه السوريون في مخيمات اللجوء، كما كل موسم شتاء، تلك الظروف القاسية والخطرة، مطراً وثلجاً وريحاً وبرداً ومرضاً وعواصف، في ظل استمرار تراجع الإمكانات ومحدوديتها، ليس على مستواهم الفردي والأسري فقط، بل وعلى مستوى ما تقدمه المنظمات الدولية والجهات الداعمة.

فقد بدأ موسم الشتاء، وبدأت معه مخاوف اللاجئين السوريين المقيمين اضطراراً منذ 9 سنوات في مخيمات الذل والعراء، وخاصة المنتشرة في الدول الإقليمية الحدودية (لبنان- الأردن- تركيا)، والتي تضم النسبة الأكبر من هؤلاء، مئات الآلاف، ولا يتوفر لديهم ما يقيهم من الظروف القاسية كما كل شتاء، حيث «تقع الفاس بالراس» ليسجل المزيد منهم ضحايا.

محدودية الموارد

بحسب الصفحة الرسمية للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان بتاريخ 21/10/2020: «تقوم المفوضيّة بتحضير برنامج المساعدة الشتوية لعام ٢٠٢٠. وبسبب زيادة حاجة اللاجئين، ستحاول المفوضيّة من خلال برنامج المساعدة الشتوية إلى مساعدة أغلبية اللاجئين المسجلين لدى المفوضيّة، ولدعمهم في تأمين احتياجاتهم الموسمية الأساسية. نظراً إلى محدودية الموارد المالية المتوفّرة، ستعطي المفوّضية الأولوية للعائلات الأكثر حاجة، والتي لا تتلقّى حالياً سوى القليل، أو أي شكل من الأشكال المساعدات المالية الشهرية لتأمين الغذاء أو الحاجات الأساسية الأخرى.. بسبب وباء كوفيد-١٩ والأزمة الاقتصادية في لبنان، لا تستطيع المفوضيّة حالياً تحديد موعد تقديم المساعدة الشتوية والعائلات التي ستستفيد. لذلك، ستُبلّغ المفوّضية العائلات المؤهّلة تدريجياً، على أن يتم/ بالتوافق مع تعبئة البطاقات الحمراء على دفعاتٍ خلال شهريّ تشرين الثاني وكانون الأوّل».

ما يخص عمل المفوضية في لبنان بشأن اللاجئين السوريين ينطبق على عملها في بقية البلدان، من حيث الموارد والأولويات، وبالتالي، فإن حال اللاجئين السوريين في هذه البلدان لن يكون أفضل حالاً.

ففي الأردن، وبحسب ما تداولته بعض وسائل الإعلام مطلع تشرين الأول 2020، صرح الناطق الرسمي باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: إن «المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن تناشد لجمع 32,9 مليون دولار هذا الشتاء لدعم 385 ألف لاجئ في جميع أنحاء المملكة، وستخصص هذه الأموال للمساعدات النقدية لمساعدة اللاجئين على تلبية احتياجاتهم الأساسية مع اقتراب موسم البرد.. إذا تم تلقّي التمويل، فإن المساعدة المخططة هي 90 دولاراً لكل شخص للاجئين الذين يعيشون في المناطق الحضرية و70 دولاراً لكل شخص للاجئين الذين يعيشون في المخيمات».

ولا ندري كيف من الممكن أن تحل تلك الدولارات المحدودة، بحال توفرها وتوزيعها، مشكلة البرد القارس والشتاء الذي بدأ يطرق الأبواب؟!

استغلال وإذلال

الغالبية من اللاجئين السوريين، في مخيمات اللجوء أو خارجها، بلا عمل وبلا مصدر للدخل، وفرص العمل المتاحة والمتوفرة للبعض من هؤلاء، إن وجدت، فهي غير ثابتة وضئيلة الأجر، ويطغى عليها الكثير من عوامل الاستغلال، ومع محدوديتها فهي بالكاد تغطي بعض الاحتياجات والضرورات، أما البقية الباقية فهم مضطرون ومجبرون للعيش على المساعدات.

فالأمر على المستوى الحياتي اليومي بالنسبة للاجئين لا يقتصر على سوء مواصفات وشروط أماكن إقامتهم، أو ما يتعرضون له من ظروف قاسية خلال موسم الشتاء والبرد، أو ما يعانونه على المستوى الصحي من تدهور، بل الأهم، هو ما يتعرضون له من تراجع مستمر على مستوى متطلبات المعيشة نفسها، وخاصة الغذاء، ارتباطاً بتراجع المساعدات المقدمة على كافة المستويات، ناهيك عن ممارسات الاستغلال والإذلال الممارسة بحقهم.

وبهذا الصدد ربما لا داعي للتذكير بالحوادث المؤسفة التي يتعرض لها اللاجئون السوريون، أو التي يكونون فيها ضحايا، سواء بسبب العوامل الجوية خلال موسم الشتاء، أو بسبب الأمراض، أو كنتيجة للممارسات السلبية تجاههم، وصولاً إلى محاولات الانتحار من قبل بعضهم، التي نجح بعضها، يأساً وهرباً من ضغوط المعيشة وظروف الاستغلال والإذلال.

مواجهة المصير بعيداً عن الأضواء

لا شك أن موسم الشتاء سيكون أشد وطأة في ظل اللامبالاة تجاه احتياجات وضرورات اللاجئين السوريين، وتجاه استمرار كارثتهم، خاصة في ظل الحديث عن محدودية إمكانات مفوضية اللاجئين، وتمهيدها عن أولويات بهذا الصدد.
فدرجات الحرارة بدأت بالانخفاض، والهطل المطري والرياح بدأت تشتد، وستشتد معها معاناة السوريين اللاجئين المقيمين في المخيمات، في الوقت الذي يفتقد فيه هؤلاء إلى أدنى مقومات البقاء على قيد الحياة.

فالعوامل الجوية ستفعل فعلها بخيام وكرفانات هؤلاء كما كل عام، وستتحول الأرض من تحتهم إلى برك مائية ووحول، وسيواجهون مصيرهم بمفردهم بعيداً عن الأضواء، وخاصة كبار السن والأطفال، الذين سيكونون ضحايا الأمراض والمخاطر الصحية، بسبب تدني درجات الحرارة وعدم تحملهم عوامل البرد القارس، وبسبب عدم توفر وسائل التدفئة الكافية، أو ما يمكن أن يحميهم من العواصف والرياح القادمة، أو ما يدعم مناعتهم من دواء وغذاء.

أما الأكثر فجاجة، أن وسائل الإعلام المسيس، الغائبة عن معاناة اللاجئين اليومية، وما سيكون عليه حالهم ومآلهم خلال أيام وأسابيع قادمة، ستكون حاضرة من كل بد عند تسجيل الضحايا الجدد من هؤلاء، ليس من باب التعاطف الإنساني، أو من أجل المساعدة على تخليص هؤلاء من كارثتهم المستمرة، بل من باب الاستثمار والابتزاز السياسي بعناوين إنسانية، كما درجت عادتها.

تأكيد المؤكد

بهذا السياق، ربما لم يعد هناك من داعٍ للتأكيد على أن الحل النهائي لكارثة اللاجئين السوريين ومعاناتهم المستمرة في كل بلدان اللجوء، مرتبط عضوياً بالحل النهائي لكارثة عموم السوريين، التي طال أمدها، والمتمثل بالحل السياسي وفقاً للقرار 2254 وتنفيذه الكامل والناجز، وكل إعاقة أو مماطلة بذلك، من أي طرف كان، تصب بمنحى الاستثمار والابتزاز على حساب السوريين ومستقبل سورية، كما تطيل من عمر الكارثة وتزيد عمقها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
991
آخر تعديل على الإثنين, 09 تشرين2/نوفمبر 2020 03:34