لينين... معلقاً على انتخابات الرئاسة الأمريكية

لينين... معلقاً على انتخابات الرئاسة الأمريكية

في 19 تشرين الثاني عام 1912 كتب لينين في صحيفة البرافدا، العدد 164، مقالاً بعنوان «نتائج ومغزى الانتخابات الرئاسية الأمريكية». نورد فيما يلي تعريبه كاملاً عن الترجمة الإنكليزية الصادرة عن دار التقدم، موسكو 1975، الأعمال الكاملة للينين، المجلد 18، ص 402–404.

تعريب: قاسيون

تمّ انتخاب ويلسون، وهو «ديمقراطي»، كرئيسٍ للولايات المتحدة الأمريكية. نال أكثر من ستة ملايين صوت. أما روزفلت (من «الحزب التقدُّمي الوطني» الجديد) فنال أكثر من أربعة ملايين، و«الاشتراكي» إيوجين ديبس 800 ألف صوت.

لا يكمن المغزى العالَمي للانتخابات الأمريكية كثيراً في الزيادة الكبيرة بعدد الأصوات «الاشتراكية»، بقدر ما يكمن هذا المغزى في الأزمة الواسعة للأحزاب البرجوازية، في المدى المدهش لانكشاف قوة تعفُّنها. وأخيراً، يكمن مغزى هذه الانتخابات في الانكشاف الصارخ، وبوضوح غير معتاد، للإصلاحية البرجوازية كوسيلةٍ لمكافحة الشيوعية.

في جميع البلدان البرجوازية، ظهرت منذ زمن بعيد الأحزابُ المدافعة عن الرأسمالية، أيْ الأحزابُ البرجوازية، وكلّما كانت الليبرالية السياسية أعظم اتّساعاً تكون هذه الأحزاب أشدّ صلابة.

الحرّية في الولايات المتحدة الأمريكية هي الأكثر كمالاً. وطيلة نصف قرنٍ بالكامل– منذ أن وضعت أوزارَها الحربُ الأهلية حول العبودية 1860-1865– تميّز حزبان برجوازيان هناك بقوّةٍ وصلابةٍ ملحوظتَين: حزب مالكي العبيد السابقين والذي يدعى «الحزب الديمقراطي»، والحزب الرأسمالي الذي شجَّعَ إعتاقَ الزنوج الذي تطوَّرَ إلى «الحزب الجمهوري».

ومنذ إعتاق الزنوج، أخذ يَضعفُ التمايزُ بين الحزبيين. ولطالما دارَ الصراعُ بين الحزبين الاثنين حول ارتفاع الرسوم الجمركية. ولم يكن لصراعهما أيّة أهمّية جدّية بالنسبة لجماهير الشعب. تمّ خِداعُ الناس وحَرْفُهم عن مصالحهم الحيوية بواسطة مبارزات استعراضية وعديمة المعنى بين الحزبين البرجوازيَّين.

لطالما كان هذا النظام المَدعو ثنائيَّ الحزب، السائد في أمريكا وبريطانيا، وسيلةً من أقوى وسائل منع صعود طبقة عاملة مستقلّة، أيْ: حزبٍ اشتراكيّ حقيقي.

والآن صار نظام الحزبين يتعرض لإخفاق تام في أمريكا، الدولة التي تفتخر بالرأسمالية الأكثر تقدماً! فما سبب هذا الفشل الذريع؟
إنّه قوّة حركة الطبقة العاملة، نموُّ الاشتراكية.

كان وجهُ الأحزاب البرجوازية القديمة (الحزبان «الديمقراطي» و«الجمهوري») مُيَمَّماً شطرَ الماضي، فترةَ إعتاق الزنوج. أمّا الحزب البرجوازي الجديد، «الحزب التقدُّمي الوطني» فهو مُيَمِّمٌ وجهَهُ شطرَ المستقبل. إذْ إنَّ برنامجه يدور بالكامل حول مسألة ما إذا ستكون الرأسمالية أم لا تكون، ولكي نكون أكثر تحديداً، حول قضايا الحماية لكلّ من العمال و«التروستات» [أو «الأمانات» Trusts]، كما تُسمّى جمعيّات الرأسماليين في الولايات المتحدة الأمريكية.

إنّ الأحزاب القديمة هي منتَجات حقبةٍ كانت مهمّتها تطوير الرأسمالية بأسرع ما يمكن. كان الصراع بين الأحزاب يدور حول مسألة كيف يتمّ تسريع وتسهيل هذا التطور بأفضل ما يمكن.

الحزب الجديد هو نتاج الحقبة الحاضرة، التي تثير قضية وجود الرأسمالية بالذات. في الولايات المتحدة الأمريكية، البلد الأكثر حرية وتقدّماً، تبرز هذه القضية إلى الصدارة بشكلٍ أكثر وضوحاً واتساعاً من أيّ مكانٍ آخر.

إنّ برنامجَ روزفلت و «التقدميِّين» بأكمله، وتحريضهم بأكمله، يدورُ حولَ كيف يمكن إنقاذ الرأسمالية بواسطة إصلاحاتٍ برجوازية.
الإصلاحية البرجوازية التي تتمظهرُ في أوروبا العجوز في ثرثرة أساتذة الجامعة الليبراليين، قد تقدّمت دفعة واحدة في الجمهورية الأمريكية الحرّة كحزبٍ قوّتُهُ أربعة ملايين. هذا هو النمط الأمريكي.

يجب علينا أن ننقذ الرأسمالية بالإصلاحات، يقول ذلك الحزب. علينا منح المصانع أكثرَ التشريعاتِ تقدميةً. علينا بسط سيطرة الدولة على جميع التروستات (في الولايات المتحدة يعني ذلك على جميع الصناعات!). علينا بسط سيطرة الدولة عليهم جميعاً لإزالة الفقر وتمكين الجميع من كسب أجرٍ «لائق». علينا إقامة «العدالة الاجتماعية والصناعية». إننا نوقِّرُ جميعَ الإصلاحات– لكنّ «الإصلاح» الوحيد الذي لا نريده هو نزع ملكية الرأسماليّين!

تقدر الثروة الوطنية للولايات المتحدة الآن بـ 120 مليار دولار (ألف مليون دولار)، أي: حوالي 240 مليار روبل. وحوالي ثلث هذه الثروة، أي: نحو 80 مليار روبل، ينتمي إلى تروستَين (أمانَتَين)، هما الأمانة التابعة لروكفيللر والأمانة التابعة لمورغان، أو أنها خاضعة لهذين التروستَين! ما لا يزيد عن 40 ألف أسرة التي يتشكل منها هذان التروستَان هم أسياد 80 مليون عبدٍ مأجور [يقصد لينين بالعبيد المأجورين هنا البروليتاريا الحديثة، العمّال بأجر– المعرِّب].

بوضوح وبساطة، طالما أنَّ مُلّاكَ العبيدِ الحديثين هؤلاء موجودون، فإنّ أيَّة «إصلاحات» لن تكون سوى خداع. لقد قام أصحاب الملايين الأدهياء بتوظيف روزفلت عمداً لكي يبشِّرَ بهذا الخداع. إنَّ «سيطرة الدولة» التي يعِدُون بها ستصبح– إذا ظلّ الرأسماليون محتفظين برأسمالهم– وسيلةً لمكافحة وسَحْق الإضرابات.

لكنّ البروليتاريَّ الأمريكيّ قد استيقظَ للتوّ، واتّخذ موقعه. إنّه يقابلُ نجاحَ روزفلت بسخرية مرحة، وكأنه يقول: لقد أغوَيْتَ أربعةَ ملايين شخص بوعودك بالإصلاح، عزيزي المحتال روزفلت. ممتاز! غداً سيرى هؤلاء الملايين الأربعة أنَّ وعودَك كانت احتيالاً، ولا تنسَ أنَّهم يتبعونك فقط لأنهم يشعرون أنه من المستحيل الاستمرار في العيش بالطريقة القديمة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
991
آخر تعديل على الإثنين, 09 تشرين2/نوفمبر 2020 13:16