إنْ جاءكم فاسق بنبأ...
محرر الشؤون السياسية محرر الشؤون السياسية

إنْ جاءكم فاسق بنبأ...

مع مقال «الشرق الأوسط» المنشور بتاريخ 11 من الجاري بعنوان (10 نقاط خلافية بين دمشق وموسكو في «الملف السوري»)، بدأت الحكاية...

في المادة المشار إليها، ينسب الكاتب إلى لافروف قوله خلال لقاء مع قناة العربية بتاريخ 21 أيلول الفائت: «النقطة الساخنة الثانية، هي منطقة الجانب الشرقي لنهر الفرات، حيث يوجد الأمريكيون بصورة غير قانونية مع القوات الانفصالية، ويلعبون مع الأكراد بطريقة غير مسؤولة». وقد وضعنا «القوات الانفصالية» بالخط العريض، لأنها تحريف لما قاله لافروف.

ما قاله لافروف خلال اللقاء المنشور في موقع قناة العربية، وفي موقع يوتيوب وعند الدقيقة 15:30، هو التالي: «البؤرة الساخنة الثانية هي على الضفة الشرقية لنهر الفرات، حيث الوجود غير القانوني للقوات الأمريكية، المقترن بتعزيز الأمريكيين للنزعات الانفصالية، وهم يلعبون مع الحرس الكردي بطريقة غير مسؤولة».

وكان لافروف يتحدث خلال اللقاء بالإنكليزية، وما قاله حرفياً هو التالي: «the second hotbed is the eastern bank of the Euphrates River where the illegal presence of the American troops is, combined with the Americans promoting separatist trends, playing with the Kurdish Guard in a very reckless manner I would say». وهذا النص يمكن الرجوع إليه أيضاً في موقع الخارجية الروسية (روابط المراجع متوفرة في النسخة الإلكترونية من هذه المادة).

الفرق كبير جداً بين التصريح الأصلي، وبين التحريف... فالانتقاد في التصريح الأصلي ينصب على سلوك الولايات المتحدة بالذات، في حين يصبح بعد التحريف منصباً على مسد والإدارة الذاتية...

وعلى أساس هذا الفارق، وهذا التحريف، بنت قوى عديدة معادية للحل السياسي من الاتجاهات المختلفة، محاولةً اختلاق حالة عداء بين موسكو ومسد، وفي سعي واضح للتقليل من وقع وتأثير مذكرة التفاهم الموقعة بين مسد والإرادة الشعبية في موسكو نهاية آب الماضي.

الأخطر في المسألة هو: الانزلاق غير المفهوم لبعض مؤيدي الحل السياسي والحريصين عليه نحو الوقوع في فخ التحريف، وصولاً إلى بناء مواقف سياسية عليه...

ليس خطأً...

قبل الشروع في قراءة الأبعاد الإضافية للمسألة، لا بد من الاستفاضة في توثيق التحريف عبر نفي احتمال كونه مجرد خطأ... إذ إنّ اللافت جداً في المسألة، هو أنّ النسخة الإنكليزية من المقال المنشورة أيضاً في موقع الشرق الأوسط، قد خلت تماماً من التصريح المحرّف الوارد في النسخة العربية! وربما يعكس ذلك استهتاراً وقلة احترام للقارئ العربي؛ إذ لم تسمح «المهنية» بالتحريف ضمن النص الإنكليزي، بينما سمحت به في النص العربي!

الاستهداف

ليس خافياً أن المتشددين من الأطراف السورية المختلفة، واستناداً إلى شتى أنواع الذرائع، لا يكتفون باستسهال وصف مسد بأنها انفصالية، لما لذلك التوصيف من أبعاد، بل ويدعون إلى إبادتها وإنهائها، حرباً أو سلماً... في تكرار ممجوج للشعارات المتطرفة التي دفع السوريون ثمنها أنهاراً من الدماء.

أبعد من ذلك، فإنّ هؤلاء المتشددين، وكذلك الدولة الأكثر تقاطعاً معهم في المصالح، أي: الولايات المتحدة الأمريكية، يسعون معاً، ويتخادمون، في محاولة إطالة عمر «المستنقع السوري»، وتأجيل الحل السياسي قدر الإمكان...

ليس غربياً بالتالي، (وعلى سبيل المثال فقط) أن نرى الولايات المتحدة التي تدّعي «دعمها للأكراد»، تستقبل استقبالاً حافلاً، كل أنواع الشخصيات والتشكيلات عديمة الوزن، التي تسعى علناً إلى تأجيج نيران فتنة عربية كردية في الجزيرة السورية.

المسألة في الجوهر، هي أنّ المتشددين، والأمريكان، يتفقون على ضرورة عزل الشمال الشرقي عن العملية السياسية، وعلى ضرورة إشعال الفتنة في الجزيرة السورية، لأنّ المسألتين تخدمان عدم تنفيذ الحل السياسي، بل وتفتحان احتمالات تقسيم سورية من جديد... وعملية العزل هذه تتطلب بالضرورة علاقات متوترة أو حتى سيئة بين موسكو ومسد، وبين مسد والقوى الوطنية السورية...

فتبيّنوا..

«يا أيها الذين آمنوا إنْ جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين...»

معلومات إضافية

العدد رقم:
989
آخر تعديل على الإثنين, 26 تشرين1/أكتوير 2020 16:08