النص الكامل للمؤتمر الصحفي للدكتور قدري جميل
عقد د. قدري جميل، أمين مجلس حزب الإرادة الشعبية عضو رئاسة جبهة التغيير والتحرير، ورئيس منصة موسكو للمعارضة السورية، مؤتمراً صحفياً يوم الثلاثاء 11/8/2020 بدعوة من وكالة روسيا سيغودنا في موسكو.
خلال الأشهر الخمسة الماضية، أشهر كورونا، جُمدت العملية السياسية في سورية، والتي كانت يجب أن تسير عبر اللجنة الدستورية كبداية، كنقطة انطلاق. ولكن السؤال الجدّي الذي طرحته على نفسي والآن أطرحه عليكم، لو افترضنا أنه لم يكن هناك هذا الوباء وهذا العزل وهذا التوقف للتنقل بين البلدان، هل كانت أعمال اللجنة الدستورية ستسير على ما يرام؟
انطلاقاً من تجربتنا وما رأيناه، أعتقد أن التعطيل السابق كان يمكن أن يستمر، وبالتالي مع كورونا أو دون كورونا، لست واثقاً أن عمل اللجنة الدستورية سيسر بشكل جيد، ما دامت العقلية السائدة موجودة ومستمرة لدى الأطراف المعنية في المعارضة والنظام.
أساليب التعطيل
يجب أن نقول الأمور على حقيقتها. لقد عانينا من أساليب التعطيل التي مورست في عمل اللجنة الدستورية. أحد الأساليب كانت الشروط المسبقة من الطرفين، الأسلوب الأخر وهو الذي يفلح به أحد الأطراف هو إغراق النقاشات في التفاصيل والقضايا التي لا قيمة لها لإضاعة الوقت. الأسلوب الثالث هو السجالات الإعلامية التي لا معنى لها بين الأطراف، والتي وصلت حد الإسفاف؛ قسم من وفد المعارضة يسمي الوفد الحكومي، (أو الوفد المدعوم كما يقال من قِبل الحكومة) يسميه الوفد الإيراني. والوفد الحكومي يسمي وفد المعارضة- الوفد التركي. وصلنا إلى هذه الحال... هل يمكن أن نصل إلى نقاش بناء وفعال في هكذا أجواء؟
السجلات الإعلامية تهدف إلى خلق أجواء- كسب أنصار- حفاظ على أنصار، ولكن ليس هدفها السير في حل الأزمة السورية إلى الأمام.
رابع وسيلة كانت التأخر في التوافق على جدول الأعمال. هل تصدقون أنه حتى الآن لم يتم الاتفاق نهائياً على جدول الأعمال؟ تم الاتفاق فقط على عنوان عريض لجدول الأعمال. طريقة أخرى، وليست الأخيرة، وهي رفض الاجتماع الإلكتروني في ظروف جائحة كورونا؛ النظام رفضها، والمعارضة تمنعت. أيضاً السلوك غير الجدي، ويمكن حتى أن أقول «الصبياني» ضمن القاعة، كان أحد أشكال التعطيل. لذلك نعلم ما هي أشكال التعطيل وقد حفظناها، يجب الآن إن كنا نريد أن نضع نصب أعيننا مصلحة الشعب السوري الذي يعاني كثيراً، علينا أن ننظر إلى الاجتماع المفترض إذا عُقد في 24 آب كما يقال في أروقة الأمم المتحدة، أن ننظر إليه بأمل ولكن التجربة السابقة تجعلنا ننظر إليه أيضاً بآن واحد بحذر. بحذر لإمكانية تأخيره وحذر إذا عُقد أن يستخدم المعطلون أدوات التعطيل السابقة أو أن يخترعوا أدوات جديدة
التعطيل خيانة
أعتقد أن تعطيل عمل اللجنة الدستورية التي أصبحت عملياً فاتحة العملية السياسية المطلوبة بقرار مجلس الأمن 2254 في الظروف الحالية لسورية والسوريين يرتقي إلى مستوى الخيانة الوطنية؛ لأن الوضع الداخلي نتيجة غياب الحل السياسي- غياب العملية السياسية، يتدهور يومياً وينعكس ذلك أولاً كما نرى صحياً بانتشار كورونا بـ«الطول والعرض» وبشكلٍ كبير ومخيف. وفي تراجع الليرة السورية وانهيارها أمام الدولار وارتفاع الأسعار المريع، وفي ثبات الأجور المخيف، والذي جعل حياة السوريين لا تطاق. هذا مفهوم في الظروف الحالية لأن استمرار الحصار- استمرار العقوبات- استمرار تقطع أوصال سورية عبر عدة مناطق تسيطر عليها قوى مختلفة، كل ذلك عملياً يؤدي إلى تعقيد الأوضاع.
إذا كنا سننطلق من مصلحة السوريين ومصلحة بلدنا، فمطلوب من جميع الأطراف أن تضع نصب عينيها ذلك، وأن تتسامى وأن تترفع عن محاولة الحصول على مكاسب سياسية ضيقة آنية أو متوسطة المدى، لأنه ما هو على الميزان اليوم، هو مصير سورية ومصير الشعب السوري.
تأخير 2254 خطر على وحدة البلاد
أريد أن أضيف، أن الوضع يتعقد لأن المناطق التي تُدار من قِبل إدارات مختلفة كأمر واقع مع الأسف الشديد حتى الآن هي ثلاث مناطق: شمال شرق، إدلب، وباقي مناطق البلاد.
قبلنا هذا الأمر في حينه كأمر مؤقت من أجل إيقاف الاقتتال، ولكن استمرار هذه العملية لفترة زمنية طويلة خطر؛ لأن تقسيم الأمر الواقع من الممكن أن يتحول إلى دائم، وتحوله إلى دائم يعني تنفيذ المخططات «الإمبريالية- الإسرائيلية- الصهيونية» وأحلامهم لتقسيم سورية، فهل يمكن أن نساعدهم نحن على ذلك؟
لذلك، حتى تأخير تنفيذ 2254 هو خطر على وحدة البلاد. وإذا أضفنا إلى ذلك أن الوضع الإقليمي يتدهور وأحداث لبنان الأخيرة دليل على ذلك، يوجد توتر ولا نعلم إلى أين ستسير الأمور، وعالمياً من الواضح أن قوى التدخل الخارجي التي هي قوى الاستعمار القديم، تحاول اليوم إيجاد أشكال جديدة للتدخل في أمور شعوبنا؛ المحتوى بقي ويتغير الشكل. وزيارة ماكرون الأخيرة للبنان دليل على ذلك، وفيها تدخل فاضح في الشؤون الداخلية للشعب اللبناني، ما الذي يعنيه كل ذلك؟
2254: إيقاف التدخل الخارجي وحق تقرير المصير
إذا انعقد اجتماع اللجنة الدستورية في 24 آب، فهذا الأمر سيكون خطوة جيدة لبداية العملية السياسية ككل، التي نص عليها قرار مجلس الأمن 2254، هذا القرار الذي يقوم على ثلاثة بنود أساسية:
بدء عملية انتقال سياسي.
دستور جديد.
انتخابات على كل المستويات، رئاسية وتشريعية.
لذلك هذه العملية إذا لم تبدأ فأعتقد أننا أمام مخاطر كبيرة وجديدة.
إن 2254 يعني عملياً إيقاف التدخل الخارجي، ونقل حق تقرير المصير وإدارة شؤونه للشعب السوري، ويعني داخلياً ليس فقط إيقاف الاقتتال وإنما المصالحة بين مكونات الشعب السوري، التي اختلفت كثيراً في الفترة الماضية. لذلك، نحن نرى في منصة موسكو أن اللجنة الدستورية هي مجرد خطوة أولى، والألف ميل تبدأ بخطوة، والألف ميل ما زالت تنتظر منْ يبدأ بخطوته الأولى عليها؛ لذلك نناشد الجميع أن يتغلبوا على سفاسف الأمور، وأن ينتقلوا إلى الجوهر والمضمون. ونحن في منصة موسكو نرى أن النقاش الجدي حول الدستور يفتح آفاقاً جدية أمام التطور اللاحق في سورية.
اقتراحاتنا للنقاش
لدينا اقتراحاتنا، واقتراحاتنا الأساسية تتمركز حول ثلاثة أمور:
النقاش حول شكل الحكم: هناك نقاش يجري في الأروقة حول شكل الحكم، رئاسي أم برلماني أم رئاسي- برلماني أي مختلط.. إلخ، ولكن كل ذلك حينما يتحدد يتطلب بعده مباشرةً إعادة توزيع الصلاحيات بين الفروع الثلاثة المعروفة للسلطة «تشريعية، تنفيذية، قضائية». أحد أسباب الأزمة في سورية واضح أنه اختلال في هذا التوازن بين فروع السلطة المختلفة لمصلحة الرئاسة، السلطة التنفيذية العليا. مجلس الشعب مثلاً، حتى الآن، والذي تم انتخابه مؤخراً، ليس لديه الصلاحيات حتى هذه اللحظة وفقاً للدستور المعمول به بإعطاء الثقة للحكومة، تأتي الحكومة وتقول بيانها وتذهب، ولا يتم التصويت على الثقة بها. أعتقد أن هذا الأمر أصبح ممجوجاً وغير مقبول ومضراً، وأثبتت الحياة أنه مضر جداً لأن الحكومة في هذا الوضع ليست مسؤولة أمام البرلمان المنتخب من الشعب. لذلك يجب النظر بالحكم أولاً في الدستور بشكل توزيع الصلاحيات وإعادة توزيعها بين الرئاسة- الحكومة- والسلطة التشريعية.
وهذا يتطلب توافقاً- نقاشاً- تعمقاً في القضايا المطروحة. ونحن نرى في منصة موسكو، أن الشكل الأمثل اليوم ليس الشكل الحالي- الرئاسي المضاعف، الرئاسي- الرئاسي، ولا الشكل البرلماني الكلاسيكي 100%، بالتأكيد الشكل البرلماني شكل رائع إذا استطعنا الوصول إليه، ولكن المشكلة في سورية أننا نعاني من نقص الحريات السياسية خلال نصف قرن مما أضعف التجربة السياسية والخبرة السياسية لدى القوى السياسية أولاً، ولدى الجمهور ثانياً. لذلك الانتقال مباشرةً إلى دولة برلمانية فقط ممكن أن يحدث فوضى كبيرة في البلاد في وضع نحتاج فيه تعزيز الوحدة الوطنية والحفاظ على وحدة البلاد وإعادة الإعمار، وذلك كله يتطلب مركزة معينة للسلطات. بالمقابل، النظام الرئاسي لا يجوز أن يكون كما كان عليه سابقاً، يمكن أن نبرره في المراحل الأولى لتكونه، لأن الدولة كانت في طور البناء ولكن بعد خمسين عام من إنجاز بناء بنيتها التحتية الأساسية، أصبح من غير المعقول ومن غير الممكن أن تبقى صلاحيات الرئاسة كما هي عليه سابقاً. يجب إعادة النظر فيها. ماذا يعني يجب ألا تبقى كالسابق؟ يعني إعادة توزيعها مع فروع السلطة الأخرى بشكل حقيقي وفعلي.
هذا الموضوع يفتح على قضية هامة هي موضع النقاش اليوم، علاقة المركزية باللامركزية في الدولة السورية.
النظام السوري مركزي مربع أو مكعب، هذا أضراره وسيئاته كثيرة كما أثبتت التجربة. أضراره على المناطق هائلة، لأنه جرى تخلف في تنمية هذه المناطق بسبب مركزة السلطة العالية في المراكز مما دفع البعض بسبب تخوفهم من مركزة السلطة إلى المطالبة بلامركزية حاف- صافي. واللامركزية الحاف أيضاً مشكلة في سورية، لأنها لا تؤمن- بعد كل الذي جرى- وحدة أراضي البلاد وسيادتها. نحن نرى المعادلة باختصار بالشكل التالي: مركزية مطلقة تعني دولة بلا شعب لديه حقوق. لا مركزية بشكل مطلق تعني شعباً بلا دولة ودون مركز. لذلك نحن نبحث وندعو الجميع أن يبحثوا، عن الصيغة المتوازنة المنطقية- الصيغة الذهبية للمعادلة بين المركزية واللامركزية. ولكن هذا الأمر لا يمكن أن يقوم به لا حزب ولا وزارة ولا فرد. هذا الأمر يحتاج إلى نقاش واسع بين كل المكونات السياسية والاجتماعية للشعب السوري حتى نعرف ما للمركز من صلاحيات وحقوق، وما للأطراف من صلاحيات وحقوق.
ينبغي تفويض الأطراف والمناطق بصلاحيات واسعة بشكل يضمن مركزية الدولة، لأن صلاحيات للأطراف دون مركز، تعني كما قلت لا دولة. وأعتقد أن هذا أمر لا أحد يريد الوصول إليه.
هنالك أيضاً قضية تجاوزتها ولم تهتم بها الدساتير السورية السابقة، هي النظام الانتخابي الذي بقي مبنياً للمجهول ويُحمّل لقانون. ومن الذي يُقر القانون؟ مجلس الشعب.
الآن نعتقد أنه يجب إلزام السلطة بقانون انتخابات عادل شامل نزيه، يعتمد النسبية والبلاد كدائرة واحدة. هذا النص يجب أن يكون نصاً دستورياً كي لا يستطيع أحد الابتعاد عنه. ويمكن أن تجري صياغة قانون تفصيلي بعد ذلك.
في السياق نفسه، فنحن نرى أنه إلى جانب البرلمان (مجلس نواب الشعب)، يجب إنشاء غرفة ثانية هي مجلس الشيوخ، تمثل فيها المناطق المختلفة. ويجري توزيع صلاحيات كما هو معروف بالتجربة العالمية- التاريخية بين المجلسين.
حول هذه النقاط، في اعتقادنا، يجب أن يتركز النقاش؛ لأن هذا النقاش هو النقاش الجدي الذي يعطي نتيجة ويعطي ضمانات للتقدم اللاحق للسير باتجاه الخروج من الأزمة في سورية.
ضرورات لتطبيق 2254
السير بنقاش الدستور يعني السير بتنفيذ القرار 2254. وتنفيذ القرار 2254 الذي يعني بجوهره حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه، يتطلب رفع العقوبات الجائرة ضد سورية. هذه العقوبات لم تُصِب النخبة الحاكمة بضرر، بل إنّ فئات نخبوية في البلاد استفادت منها، لأنها عن طريق التهريب جنت قيماً مضافة جديدة. العقوبات أصابت الشعب السوري. والآن مع قانون قيصر يجري تشديدها، وهي تؤلم الشعب السوري كثيراً، وستؤدي إلى نتائج مأساوية. لذلك تنفيذ القرار يتطلب رفع العقوبات ورفع الحصار المفروض على سورية، كما أن تنفيذ هذا القرار يعني أوتوماتيكياً ربط مناطق سورية ببعضها البعض، إعادة تكوين السوق الاقتصادية الواحدة. كما أن تنفيذ هذا القرار سيفتح المجال أمام دخول المساعدات الأممية الإنسانية لمساعدة الشعب السوري، خاصةً في الفترة الأخيرة لمواجهة جائحة كورونا.
كما أن تنفيذ القرار 2254 يعني إيقاف التدهور الاقتصادي وإعطاء النفس الجديد لليرة السورية لتستطيع الوقوف من كبوتها وتحسين وضعها، لأن ذلك سيحسن الوضع المعاشي لملايين- ملايين 90% من الشعب السوري الذين يعانون الأمرّين في الظروف الحالية.
من سينفذ 2254؟
السؤال الوجيه الذي يمكن أن يُطرح ويجب أن يطرح: من الذي سينفذ القرار 2254؟
أعتقد أن المسؤولية الأولى سيتحملها النظام، يجب أن يبادر كي يتحمل اسمه كنظام، كي يتحمل مسؤوليته، حتى يحق له أن نسميه نظام. ولكن إن لم يتحمل هذه المسؤولية فما الحل؟ من يستطيع تنفيذ هذا القرار؟
أعتقد أن المجتمع الدولي الذي أقر هذا القرار إضافةً إلى الشعب السوري يستطيع إيجاد البدائل المطلوبة لتنفيذه.
نقل الدستورية إلى دمشق
نحن من جهتنا كمنصة موسكو، وفي إحدى الجلسات في اللجنة الدستورية في جنيف، طلبنا نقل اجتماعات اللجنة إلى دمشق. ولا أكشف سراً الآن إن قلت: إننا طلبنا هذا الطلب (الذي ثارت علينا بسببه بعض أطراف المعارضة) بهدف اختبار نوايا النظام في السير على طريق الإصلاح الدستوري الذي طالب به مؤتمر سوتشي في حينه، والذي أيدته الأمم المتحدة.
إلى الآن، بعدما قمنا بإطلاق بالون الاختبار هذا بطلب نقل اللجنة الدستورية وعملها إلى دمشق، لم نسمع- لم نلمح- لم نشعر بأي رد فعل من قبل النظام. وكأن النظام يسعى إلى مطمطة وتعطيل عمل اللجنة الدستورية كي تأخذ أكبر وقت ممكن.
ما المانع في نقل عمل اللجنة الدستورية إلى دمشق إذا كانت الأمم المتحدة ستضمن سلامة جميع الذين سيشاركون بالأعمال، واليوم مطلوب ليس فقط السلامة الأمنية وإنما الصحية أيضاً؟
نقل أعمال اللجنة الدستورية إلى دمشق، يعني تأكيد جدية السير في أعمالها، ويعني أيضاً أنه لم يعد هناك مبرر كي تدور أعمال اللجنة الدستورية في حلقة مفرغة لا نهاية لها ولا قاع لها.
نقلها إلى دمشق سيفرض على الجميع الوصول إلى نهاية النقاشات في اللجنة الدستورية، لذلك نحن نكرر اقتراحنا، ونطلب من زملائنا في المعارضة الذين تشنجوا بسبب اقتراحنا، أن يعيدوا النظر بموقفهم ونطلب من الطرف الآخر «الحكومة» أن تنظر إليه بعين الجد وأن تُنقل الاجتماعات بأسرع ما يمكن إلى سورية.
قلتها أكثر من مرة: هل يمكن لدستور سوري أن يكتب في جنيف؟
يمكن أن يفتح النقاش حوله في جنيف، لكن يجب كتابته في دمشق واللجنة الدستورية أصبحت موجودة، وقد أقرتها الأمم المتحدة بدعم من مجلس الأمن وأصبحت لهذه اللجنة الدستورية شرعية محددة، لذلك انتقالها إلى دمشق يجب أن يتم، بضمانات بطبيعة الحال، ولكن يجب أن يتم نقاش وكتابة الدستور في دمشق حتى يتمكن أعضاء اللجنة الدستورية لاحقاً أن ينظروا في أعين أولادهم وأحفادهم، وأن يقولوا لهم «نعم هذا الدستور كتبناه في دمشق- في سورية»، نحن الذين ساعدنا على صياغة ستة دساتير عربية، نحن في سورية كتبنا أول دستور في العالم العربي في عام 1920 وفي النهاية نذهب ونكتب دستورنا في الخارج!
هذا الأمر لا يليق. قلت إنه يمكن أن يكون افتتاح النقاش في الخارج، ولكن استمرار العمل على اللجنة الدستورية يجب أن يجري فقط داخلاً.
مرة أخرى كشفت أن الموضوع هو اختبار للنوايا: فليثبت لنا النظام أنه جدّي ويوافق على نقل أعمال اللجنة الدستورية إلى دمشق، ولتثبت لنا المعارضة أنها غير جدية ولا توافق على نقل أعمال اللجنة إلى دمشق.
نحن من جهتنا في منصة موسكو، وكجزء أساسي من المعارضة وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254، نطالب بذلك.
يكفي حججاً وما أنزل الله بها من سلطان من أجل منع نقل أعمال اللجنة الدستورية إلى دمشق، وأنا أطلب دعم الأمم المتحدة والأصدقاء الضامنين في مجموعة أستانا أي «إيران- روسيا- تركيا» لتأمين الضمانات الضرورية لنقل أعمال اللجنة الدستورية إلى دمشق.
تنفيذ 2254 ضرورة للحفاظ على وحدة سورية...
عرقلة الحل السياسي ترقى إلى مستوى الخيانة الوطنية...
حول قانون قيصر وهل تتوقعون أن الاتحاد الأوروبي سيتمكن من اتباع سياسة مستقلة عن الولايات المتحدة في سورية؟
الأوروبيون غير قادرين وغير ناضجين وغير جاهزين لاتباع سياسة مستقلة عن الولايات المتحدة، هم يسيرون حتى الآن وراء الأمريكان وسلوك الأمريكان يحدد سلوكهم إلى حد كبير. في أفضل الحالات يصمتون أو يمتعضون، ولكن قدرتهم على الفعل الحقيقي غير موجودة، بالتالي حتى قانون قيصر في الظروف الحالية يمكن أن يؤدي مؤقتاً إلى تعقيدات بالنسبة للأوروبيين. من هنا تزداد أهمية التسريع بالحل السياسي على أساس القرار 2254 لأنه عملياً يسحب من يد الأمريكان ويد غير الأمريكان جميع الحجج من أجل استمرار العقوبات.
الأسئلة والأجوبة
حول الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وتقييمكم لها ولدورها؟
من جهتنا في حزب الإرادة الشعبية وجبهة التغيير والتحرير، موقفنا بصراحة كان تجاهل هذه الانتخابات: لم نشارك لا ترشيحاً ولا انتخاباً، لأننا نعلم أن الجوّ ليس جو انتخابات. نسبة المصوتين المعلنة هي 33% ولكنها في الحقيقة أقل من ذلك بكثير. وإذا أخذنا أعداد اللاجئين خارج سورية الذين يعدون بالملايين، فالنسبة ستهبط بشكل حاد.
المشكلة ليست بالنسبة، وإن كانت منخفضة، المشكلة هي أن هذا البرلمان في ظل هذا الدستور ليس له أية صلاحية، ماذا سيغير؟ لن يغير شيء.
لذلك برأينا، إن هذه الانتخابات لا معنى لها، إلا من زاوية واحدة تهم النظام كثيراً، أن يثبت بأن شرعيته ما زالت قائمة وهو مستمر. ولكن يجب أن نفهم بأن أية شرعية تستمد نفسها من قضيتين، أولاً، من اعتراف الناس بها 33% رقم ليس عالياً وليس حقيقياً.
ثانياً، الشرعية الحقيقية تأتي من قدرة أية دولة- أية حكومة على حل المشاكل المطلوب حلها أمام الناس، لدينا اليوم مشاكل في كل مكان وكل شيء، والحكومة غير قادرة على حل أية قضية في الظروف الحالية وبالتالي، لم نعط اهتماماً ووقتاً لهذا الموضوع ولن نعطيه الآن، ونعتبر الموضوع منتهياً.
أرجوا التعليق على الهجوم على قاعدة حميميم بقاذفات صواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيرة، هل هذه محاولة لتوتير الأوضاع قبل الجلسة الدستورية في جنيف؟
الإرهابيون لم يتوقفوا لحظة عن محاولة دفع الأمور نحو عدم الاستقرار، وأعتقد أنّ العامل الأساسي الذي يدفعهم للقيام بعمليات إرهابية ضد قاعدة حميميم هو الوضع المأساوي- بلا مخرج- الذين هم فيه، وخاصة في إدلب. لأن اتفاق أستانا والاتفاق الروسي- التركي في إدلب وصل إلى نقاط متقدمة في التنفيذ، استطاع أن يفتح طريق إم 4 وتجري محاولات حثيثة من أجل إضعاف التفاهمات الموجودة بين أطراف الأستانا الثلاثة. لذلك أنظر إلى كل محاولات زيادة عدم الاستقرار في المنطقة ليس ارتباطاً بهذا الحدث العابر أو ذاك، وإنما ارتباطاً مع التطور العام للأمور، التي وضعت الإرهابيين في الزاوية بالمعنى الاستراتيجي.
الكونغرس نشر خبراً حول الوضع في سورية حول الأكراد في سورية، ويقول بأن الأكراد يتقربون من دمشق، هل يعني ذلك بأن الحكومة المركزية قد تعيد السيطرة على شمال وشرق البلاد أود سماع تعليقكم حول هذه المسألة.
إن مسألة شمال شرق سورية كمسألة إدلب، لا يمكن أن يوجد حل لها إلا في إطار اتفاق شامل حول الأزمة السورية مستند إلى القرار 2254. حتى الآن، كل محاولات النقاش الثنائي بين شمال شرق سورية ودمشق لم تعط نتيجة، ودائماً تجري عرقلتها. ولكن أعتقد أن هذا الأمر إذا انتقل إلى إطار الحوار السوري الشامل في إطار تنفيذ 2254 سيكون أمراً جيداً لأنه يضمن حل جميع المشاكل، ولكن هذا لا يمنع السعي إلى أن يجري التفاهم بين الحكومة السورية والقوى الموجودة في شمال شرق سورية. ولكن هذه المحاولات لم تعط النتيجة الإيجابية المطلوبة لها حتى الحظة، بسبب تدخل قوى كثيرة، الأمريكان من جهة وقوى متطرفة في الطرفين، قوى متطرفة موجودة في النظام وعند الطرف الأخر، ولكني أعتقد، وأنا متأكد، ونستطيع أن نثبت ذلك قريباً، أن قوى سورية عديدة مصرة على وحدة سورية. وإن شاء الله سنستطيع أن نحقق خطوات إلى الأمام في إطار التفاهم بين هذه القوى وكل القوى السورية الوطنية التي تريد حل المشكلة السورية.
القوات الأمريكية في شمال سورية تتعرض لهجمات. البعض يرى أن مصدر الهجمات هو القبائل المحلية التي وجدت نفسها تحت الاحتلال الأمريكي وحلفائه، البعض يقول أن هذه مسألة تقاسم موارد، من هؤلاء الذين يقومون بهذه الهجمات؟
هم أهل المنطقة. الأمريكان لم يدعهم أحد إلى سورية، أتوا وتمركزوا في الدرجة الأولى في المناطق التي يوجد فيها نفط، في المناطق الشرقية؛ لذلك أهالي هذه المناطق لهم كامل الحق على أساس القانون الدولي بالمقاومة واستخدام كامل أشكال المقاومة، وأعتقد أن الأمريكان فهموا هذه النقطة لذلك سعوا منذ فترة لتخفيض عدد قواتهم في سورية.
ما هو دور الأكراد في السياسية الأمريكية؟ وكيف تغير دورهم في الفترة الأخيرة؟
الأمريكان يحاولون أن يلعبوا دوراً، ولكنهم بسياستهم في المنطقة خاصةً اتجاه الأكراد، وكما أثبتت الحياة، منافقون وكذابون، وعدوا الأكراد كثيراً ونكثوا بوعودهم، وهناك عشرات الأمثلة. لذلك أعتقد بأن الثقة لدى الأكراد والشعب الكردي بكل مناطقه، وخاصة في سورية والعراق بالأمريكان قد انخفضت إلى حدٍ كبير، لأن وعودهم شيء وأفعالهم شيء آخر.
ولكن السؤال ما هو الدور المرسوم للأكراد في السياسة الأمريكية؟
نحن في إحدى وثائقنا الحزبية قلنا باكراً أنه إذا تراجع دور داعش، وقد بدأ بالتراجع، فإن الغرب الذي سبب مشكلة الأكراد تاريخياً من فترة سايكس بيكو سيحاول تأجيج القضية الكردية كي يؤجج الصراع بين الشعوب الإخوة التي عاشت مع بعضها منذ آلاف السنين، أقصد «أكراد- أتراك- عرب- فرس».
كنا قد توقعنا قبل أن تظهر هذه الموجة، تدخلاً غربياً سافراً، يذرف دموع التماسيح على الأكراد من أجل خلق حالة عدم الاستقرار وتنفيذ الفوضى الخلاقة، لقد توقعنا ذلك وهذا ما جرى.
للأسف استطاعوا خداع البعض بعض الوقت ولكنهم لم يستطيعوا خداع الجميع كل الوقت.
الآن أوراق الأمريكان ومحاولتهم استخدام الأكراد كورقة مرة واحدة قد انفضحت كثيراً، ولذلك أنا أشك أن يستطيعوا استخدام الورقة كما كانوا يستخدمونها قبل عام أو عامين أو ثلاثة أو أربعة أعوام سابقة، حتى في العراق أعتقد أن الأمور تسير في هذا الاتجاه.
وفي نهاية المطاف، الولايات المتحدة الأمريكية تعاني من أزمة عميقة، وهي تعيد توزيع قواها في العالم، وهي تنسحب من المنطقة من أفغانستان للعراق لسورية لألمانيا؛ التواجد الأمريكي ينخفض عددياً، وحسب ما تم التصريح من قبل أحد المسؤولين الأمريكان في الخارجية الأمريكية جيمس جيفري «أرقامنا قليلة لأنه مطلوب أرقام حسابية كي تلعب دوراً في المعادلات الموجودة في المنطقة».
بمعنى آخر، إذا قارنا دور الأمريكي الحالي بالأمثلة التاريخية في فيتنام في أفغانستان في العراق، حيث أرسلوا مئات الآلاف من الجنود، وقارنا ذلك بدورهم الحالي، فهناك انخفاض كبير. وفي النهاية، فالقرار هو لمن له القوى الأكبر على الأرض. هم يستخدمون قواهم من أجل المناورة والإيقاع بين الجميع لتطويل أمد بقائهم قدر الإمكان، لتأخير أمد خروجهم بشكل نهائي، ولكن لا بد مما ليس منه في نهاية المطاف.
الشعب الكردي عانى كثيراً، وبالدرجة الأولى من الاستعمار الغربي الذي حاول أن يوهمه أن أعداءه هم جيرانه وأخوته في التاريخ. ولكن العدو الحقيقي هو الغرب الذي صنع المشكلة الكردية والذي لا يريد حلها لأنها «قميص عثمان» كما يقال بالعربية.
هل ستتغير السياسة الأمريكية في سورية بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية، أم لا؟ في الوقت الحالي وفقاً لاستطلاعات الرأي بايدن يتقدم كثيراً على ترامب، أي أن الديمقراطيين سيعودون إلى البيت الأبيض، فما هي تقييماتكم وتوقعاتكم؟
كذب المنجمون ولو صدقوا. هنا التوقعات لا قيمة لها، لأنه بغض النظر بايدن أو ترامب، فإنّ تغيراً جوهرياً في السياسة الأمريكية لن يجري؛ هم ينفذون بالجوهر سياسة واحدة ولكن شكل تنفيذها عند كل طرف يختلف عن الآخر في بعض التفاصيل.
الذي سيختلف بين ترامب وبايدن، وتذكروا كلامي لاحقاً، هو الاختلاف بين سرعة وتسارع الانسحاب من المنطقة فقط لا غير.
إذا فاز ترامب سيكون الانسحاب أسرع، وإذا فاز بايدن سيكون الانسحاب أبطأ وتحت ذريعة إعادة تجميع القوى وإعادة انتشار، ولكنه انسحاب من كل المنطقة. إبقاء نقاط ارتكاز، إبقاء مجال للفوضى الخلاقة، ولكن هنا هم يعرفون أنه يجب أن يعيدوا انتشار قواهم في كل العالم نتيجة تغير الأولويات.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 979