انتصارات الماضي لتفاؤل الغد!
ملاذ سعد ملاذ سعد

انتصارات الماضي لتفاؤل الغد!

في العام القادم، تكون قد أتمّت الأزمة السورية سنتها العاشرة، عقدٌ كامل من ويلات الحرب والدمار عاناها السوريون، سببها الرئيس: السياسات الاقتصادية والاجتماعية لمنظومة الفساد المتحكمة في البلاد، وما أضيف إليها لاحقاً من تدخلات خارجية وعقوبات غربية وإرهاب وغيره.

لكن بمرور عشر سنين، مترافقة باستمرار تدهور الأوضاع المعيشة بشكل أساسي في الداخل السوري، ومعاناة اللاجئين في الخارج، يخيم المزاج التشاؤمي على الناس، ولكن لا بد أن نعيد للأذهان بعضاً من الأجزاء المنسية والمغيبة من هذه السنين العشر نفسها.
يظن الكثيرون، بأن الانتصار محصور بالوصول إلى التغيير الشامل لهذه المنظومة السياسية في البلاد، وهذا صحيح بكل تأكيد، ولكن لا ينبغي حصر الأمور بالوصول إلى نهاياتها، أي لا يجوز اعتبار ما تم إنجازه حتى الآن صفراً؛ فالتغيير الجذري الشامل نفسه، إنما سيكون تتويجاً للانتصارات الجزئية السابقة، سيكون نقلتها النوعية في حياة البلاد عموماً، وما كنا لنتكلم به بشكلٍ أكيد دون كل نتائج الانتصارات السابقة.
فقبل 2011، كانت الحياة والحريات السياسية شبه معدومة في البلاد، ليأتي الانفجار الشعبي مغيّراً كل المعادلات السابقة وفارضاً نفسه على الجميع، بما فيه المنظومة ذاتها، ليكون أول انتصار يحققه السوريون عبر كسر جمود كل العقود السابقة، بسنة واحدة، ورغم تكبّر المنظومة عن الاعتراف بتلك الحركة الاجتماعية وحقوقها، إلا أنها رضخت لجزء من مطالبها، وإن شكلياً: في 2012 جرى إيقاف العمل بقانون الطوارئ الذي كان سارياً لعقود خلت، وثم جرى التعديل الدستوري الذي محى بند «الحزب الواحد» وأقر التعددية، هذان أيضاً: انتصاران وحقوق انتزعت انتزاعاً من قلب المنظومة... واهمٌ من يظن بأن المنظومة فعلت ذلك «كرماً» أو «مناورة»، إنما عبر ضغط الوقائع التي فرضها السوريون في حينه.
مع تدويل الأزمة السورية، ودخول العديد من الأطراف الإقليمية والدولية في الحرب، دأب الغرب بالتعاون والتخادم مع أتباعه الداخليين ضمن المعارضة وضمن النظام، على دفع البلاد نحو حرب أهلية- شعبية ضمن الثنائيات الوهمية الطائفية أو القومية، بلغت ذروتها في أواخر 2013، عبر عمليات الخطف والاغتيال المتبادلة المنظمة، والإعلام المتأهب لتغطيتها تحريضاً خدمةً لهذا الغرض، لكنها ما لبثت أن فشلت وعجزت عن تحقيق غاياتها، ويعود ذلك للعديد من الأسباب، إلا أنّ أساسها وأولها هو: بنية الشعب السوري نفسه وقدرته على «مقاومة» هذا التحريض المصطنع المخالف لتاريخه وإرث أجداده، ليكون أيضاً: انتصاراً، مسبباً الهزيمة والفشل لأعدائه أياً كانوا.
ثم إن البدء بمرحلة نهايات الحرب، منذ إعلان «مناطق خفض التصعيد» إلى انحسار قوى الإرهاب وهزائمها، وبغير مصلحة منظومة الفساد نفسها، ما كان ليحصل لولا إرادة ورغبة السوريين أنفسهم بذلك، إن العمليات العسكرية هنا، رغم أهميتها، إلا أنها أمرٌ ثانوي وما كانت لتثمر لولا الضغط الشعبي على جميع الأطراف المعنية بتحقيقها.
أخيراً، فإن مختلف الأطراف تحاول عبثاً إقناعنا بأن «الأزمة تنتهي»، وأن هناك جهةً تنتصر وأخرى تنهزم، بينما واقع الحال يظهر أن الأطراف المتشددة على جانبي المتراس، مأزومة ومتصارعة داخلياً بشدة لم يسبق لها مثيل. ثم إن هناك القرار الدولي 2254 المتعلق بالحل السياسي، والذي رغم تجاهل غالبية الأطراف السياسية له، لا يزال وسيبقى مطرقةً تدق رؤوسهم نحو تنفيذه كاملاً، وهو ما سيكون حامل تتويج الانتصار نحو التغيير المطلوب الآتي لا محالة، فالقصة لم تنته بعد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
966