إنّه رأس جبل الجليد فقط!
اشتعلت المنابر الإعلامية خلال الأيام الماضية بقضية رئيس مجلس إدارة سيريتل، رامي مخلوف، وتخلفه عن سداد استحقاقات مالية للدولة.
إنّ أول ما ينبغي وضعه في الاعتبار لدى معالجة هذه المسألة، هو أنّ ما يحاول البعض تسويقه بوصفه تعاملاً مع سيريتل وصاحب الحصة الأكبر فيها -وصاحب الأملاك الضخمة والمتعددة داخل وخارج سورية- على أنه تعامل «إداري» مع حالة فساد تتمثل في تهرب ضريبي، هو كلام نافل وبلا قيمة، وليس مقنعاً لأي سوري، ولا يعدو كونه محاولة للتنفيس ولإشغال نظر الناس برأس جبل الجليد الذي تم تظهيره على السطح، بمقابل الاستمرار بإخفاء الجذور العميقة لذلك الجبل، والممتدة في شتى الاتجاهات، وحتى النخاع...
العقد الذي احتكرت بموجبه شركتا الخليوي الاتصالات في سورية، كان منذ اللحظة الأولى عقداً احتكارياً وجائراً بحق الدولة وبحق مؤسسة الاتصالات الرسمية. بكلام أوضح: كان العقد هو عقد نهبٍ رسمي للمال العام؛ نهبٍ «مشرعن» و«قانوني». وعلى صفحات قاسيون، وفي بيان صدر يوم 25 شباط 2011، طالب حزب الإرادة الشعبية (اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين في حينه) بتأميم شركتي الاتصال الخليوي بشكل فوري كإجراء ضمن حزمة متكاملة لمنع انفجار الأزمة في سورية.
هذا النهب أخذ شكلاً أكثر وقاحة عام 2015 حين تبرعت الحكومة بتمديد عقد الشركة وتغيير طبيعته وتخفيض نسبة العائد الحكومي منه، في حين كان من المفترض أن تنتقل الملكية الكاملة للشركتين إلى الدولة وفقاً للعقد الأصلي (BOT).
وإذا كانت ظروف سياسية محددة، ودرجة تأزم عالية ضمن منظومة الفساد الكبير داخل النظام السوري، قد دفعت في هذه اللحظة باتجاه تعويم أوراق البعض إلى الواجهة، ورغم أن هذا الأمر مفيدٌ بحد ذاته، فإنّ ما ينبغي أن يكون واضحاً هو أنّ «محاربة الفساد» كشعار معلق بالهواء، ولا يزال معلقاً، لن يتحول إلى واقع عبر تصفية حسابات بين حيتان الفساد، ولحساب حيتان الفساد.
إنّ الفساد العميق داخل المنظومة القائمة، وإنْ كان يتخذ شكلاً مفضوحاً في قضايا من عيار سيريتل، إلا أنّه يمتد إلى كل القطاعات الأخرى، ويتمظهر في مسألتين شديدتي الوضوح:
في الجانب الاقتصادي، عبر الاستمرار في السياسات الاقتصادية الليبرالية المتوحشة المنحازة لفئة الفاسدين الكبار ضد مصالح عموم الشعب السوري، والتي نراها في كل مفاصل الحياة الاقتصادية ابتداءً من الخبز والقمح والسكر، ووصولاً إلى كل شاردة وواردة، وخصوصاً عبر الاستفادة من العقوبات الغربية لتدفيع الشعب السوري كلفاً مضاعفة تصب في جيوب السماسرة المحليين والغربيين. وذلك بالتوازي مع إبقاء شعار التوجه شرقاً بالمعنى الاقتصادي شعاراً للمتاجرة، يجري تطبيقه بشكل معاكس على الأرض، ولمصلحة مافيات الفساد.
في الجانب السياسي، يتجلى الفساد الكبير في العمل المنظم ضد الحل السياسي، عبر استخدام شتى أنواع الحجج والذرائع والأدوات بما في ذلك تعظيم التوتر الاجتماعي والأمني في مناطق متعددة من البلاد.
إنّ الطريق الوحيد نحو اجتثاث فعلي للفساد الكبير من جذوره، يمر حكماً عبر تغيير جذري وطني عميق وشامل، وعبر تطبيق القرار 2254 كاملاً، بما يسمح للسوريين المتضررين والمقموعين والمنهوبين الذين يشكلون ما يصل إلى 95% من المواطنين، أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم ولمصلحتهم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 964