حول «سرية» مداولات اللجنة الدستورية
أظهرت إحاطة غير بيدرسون، المبعوث الأممي الخاص للأزمة السورية، في مجلس الأمن الدولي يوم الأربعاء الماضي 29 نيسان، أنّ الموعد القادم لانعقاد اجتماع اللجنة الدستورية سيبقى معلقاً حتى تتوفر إمكانية الانعقاد الفيزيائي للاجتماع، أي حتى ينتهي العالم من أزمة كورونا.
عبّر بدرسون عن ذلك في البند 19 من إحاطته بالقول: «إنني على تواصل دائمٍ معهما (الرئيسان المشاركان عن المعارضة والنظام) حول هذه الأمور وحول كيفية استئناف الاجتماعات في جنيف وقتما تسمح الظروف بذلك».
في صباح الأربعاء نفسه، كان موقع بروكار برس قد نقل عما سماه مصدراً بارزاً في المعارضة السورية قوله: «مدونة السلوك التي تم التوافق عليها في بداية تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 تنص في بندها الثالث عشر على احترام سرية مداولات اجتماعات اللجنة، وفي البند الرابع عشر على الامتناع عن استخدام وسائط التواصل الاجتماعي كوسيلة للتواصل»، وتساءل المصدر «كيف يمكن ضمان أن يكون عضو اللجنة المصغرة وحيداً، وأنّ الحسابات غير مخترقة أو أن يتم تسجيل المداولات».
في اليوم التالي، يوم الخميس 30 نيسان، أدلى أحمد الكزبري – الرئيس المشارك للجنة الدستورية عن الجانب الحكومي – بتصريح لجريدة الوطن السورية، أكّد فيه أنّ: «هناك استحالة في عقد الاجتماع أون لاين، وذلك للحفاظ على سرية المباحثات».
واي فاي الأمم المتحدة!
أول ما ينبغي أن يعرفه السوريون حول «السرّية» المفترضة لمباحثات اللجنة الدستورية، هو أنّ أعضاء اللجنة الموسعة (150) خلال اجتماعهم الأول لمدة ثلاثة أيام مطلع شهر تشرين الثاني، ومن ثم أعضاء المصغرة (45) خلال الاجتماعين اللذين عقدا في الشهر نفسه، كانوا يدخلون قاعة الاجتماع ومعهم هواتفهم المتصلة على واحدة من أسرع شبكات الانترنت في العالم؛ الشبكة التي تؤمنها الأمم المتحدة في مقراتها. وهو ما برز جزئياً عبر جملة من التسريبات التي جاءت مرسومة على قياس التخريب والاستفزاز.
بكلامٍ آخر، فإنّ المتشددين من الطرفين ليست لديهم مشكلة حقيقية في «سرية المداولات»، لأنّ هذه الحجة تظهر بوصفها ذريعة لا أكثر، لأنّ إمكانية التسريب كانت قائمة دائماً، ولكن يمكن القول إنها كانت «تحت السيطرة» بحيث يمكن التحكم بعملية التسريب بما يخدم الإساءة لعمل اللجنة.
السرّية والثقة!
التدقيق في معنى التصريحات الصادرة عن الطرفين بما يخص السرّية، يقود إلى مفارقة فكاهية حقاً؛ جوهر هذه المفارقة أن هذين الطرفين، وعبر تخوفهما من المباحثات عبر الانترنت، يقرّان ضمنياً بأنّ المحادثات الفيزيائية بينهما هي (محادثات سرّية فعلاً). بكلام آخر فإنهما يثقان ببعضهما البعض وبأنّ أياً من الطرفين لن يسرب ما يجري تداوله!
نجد هذا الأمر عجيباً حقاً، خاصة إذا عدنا بالذاكرة إلى المبارزة الإعلامية المتشنجة والتخريبية التي تبادل فيها الطرفان الاتهامات، أحدهما يسمي الثاني «وفد النظام التركي»، والآخر يسمي الأول «وفد النظام الإيراني»! ما يؤكد أحد أمرين، إما أنّ الطرفين هما طرف واحد (سري)، أو أن الحديث عن السرية وضرورة الحفاظ عليها ليس أكثر من ذريعة تعكس عدم رغبة المتشددين في الطرفين في المضي قدماً في عملية الحل السياسي.
السرية والدستور
ينبغي أن نضيف إلى النقاط السابقة، مسألتين نعتقد أنهما جوهريتان: الأولى تتعلق بالسرية نفسها ربطاً بمهمة اللجنة، والثانية تتعلق بإمكانيات عقد الاجتماع الفيزيائي.
في المسألة الأولى، يشير الموقف المشترك للمتشددين في الطرفين أن لديهما إقراراً ضمنياً بـ«أهمية سرية المداولات»، لكن هذا الافتراض نفسه يحتاج إلى الوقوف عنده جدياً...
لا بد من التذكير هنا بأنّ موقف منصة موسكو من هذه المسألة كان منذ البداية، حتى قبل تشكيل اللجنة الدستورية، بل وقبل سوتشي نفسه، وحتى اللحظة، هو أنّ المداولات الخاصة بالدستور السوري، يجب أن تكون علنية، لكي يرى السوريون ويسمعوا ماذا يقول هؤلاء الذين من المفترض أنهم يمثلونهم، في شأن مصيري وبالغ الأهمية بالمعنى التاريخي والوطني بحجم الحديث عن دستور سينظم سورية المستقبل ربما لعقود قادمة.
ولا يمكن تفسير الخوف من العلنية، سوى أنه خوف من إطلاع السوريين على حقيقة ما تطرح الأطراف المختلفة، وأكثر من ذلك على مدى جديتها وتحملها للمسؤولية أمام الناس التي تعاني الأمرين منذ سنوات طويلة. مع العلنية، لا يعود هنالك مجال للمناكفات والمساجلات التي لا قيمة لها، والتي لا وظيفة لها سوى تضييع الوقت وسوى التخريب وتأخير الحل. وبكلمة، حين تكون المداولات علنية، فإنّ الشعب السوري سيتمكن من معرفة (من هو من) وماذا يطرح وماذا يقول وكيف يتصرف... الأمر الذي يبدو مرعباً بالنسبة للبعض.
دمشق
المسألة الثانية المتعلقة بالمكان الفيزيائي لانعقاد الاجتماع، والذي لا يزال المتشددون في الطرفين يهربون من نقله إلى دمشق، سواء بالرفض العلني أو بالالتفاف والهروب وعدم تحديد موقف واضح.
وهنا ينبغي التذكير أيضاً بأن منصة موسكو، كان موقفها ولا يزال، أنّ نقل أعمال اللجنة إلى دمشق مع توفير كل الضمانات اللازمة بما في ذلك من الأمم المتحدة، هو أمر جوهري لتحويل الحل السياسي من مجرد فكرة إلى فعل ملموس، ولتجنب عمليات تضييع الوقت المستمرة منذ أعوام.
ليس هنالك مبرر مقنع لدى أي من المتشددين للوقوف في وجه هذا الاقتراح؛ أولئك الذين يتذرعون بالخوف، تسقط حجتهم إذا طالبوا بتأمين الضمانات وعلى رأسها ضمانات الأمم المتحدة، ناهيك عن أن حجة الخوف المعلقة بالهواء ليست أكثر من شهادة فقر حالٍ ينم عن انعدام وجود أي روح نضالية لدى من يدعون أنهم ثوريون.
وبالمقابل، فإنّ امتناع الطرف المقابل عن إظهار أي موقف من مسألة النقل إلى دمشق، بل والإيحاء ضمن التصريحات الرسمية بشكل واضح بأنّ اللجنة ستتابع عملها في جنيف، وتكرار ذلك في كل مناسبة، يعيد التأكيد على محاولات الالتفاف على اللجنة عبر التبرؤ من النتائج التي ستترتب عليها بشكل مسبق، بالقول مثلاً (الوفد الوطني المدعوم من الحكومة والذي يمثل وجهة نظر قريبة من الحكومة)... وإلخ.
خلاصة
كلما اقترب الحل السياسي، كلما ازداد التطابق العلني المفضوح بين مواقف المتشددين في الطرفين. ورغم أنّ هذا التطابق بات أداة وحيدة في يد المعطلين، إلا أنّ الجانب الأكثر أهمية فيه، هو أنه يفتح عيون السوريين المثقلة بالهموم والآلام، على حقائق كبرى؛ حقائق ستلعب دوراً حاسماً في كيفية ممارسته لحقه في تقرير مصيره، تلك الممارسة التي ستكون الفيصل في تحديد مستقبل سورية، وعبر القرار 2254، وفي وقت غير بعيد!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 964