افتتاحية قاسيون 956: اتفاق موسكو والخيبة المريرة

افتتاحية قاسيون 956: اتفاق موسكو والخيبة المريرة

شكّل الاتفاق الموقع بين الرئيسين الروسي والتركي يوم الخامس من آذار الجاري، صدمة كبيرة، بل وخيبة أمل مريرة للأمريكي، وللمتشددين المعادين للحل السياسي من طرفي الأزمة السورية، والذين كانوا يأملون أن تصل الخلافات بين روسيا وتركيا إلى حدود تفجير أستانا نهائياً، بل وربما تفجير تركيا نفسها من الداخل.

خيبة الأمل بدت واضحة في الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن الدولي ضد الاتفاق، وقبل ذلك في الحماس منقطع النظير لتشييع أستانا نحو مثواها الأخير.

أول ما ينبغي قوله بخصوص الاتفاق، هو أنه ليس اتفاقاً جديداً من حيث الجوهر، بل هو بالضبط تثبيت لاتفاق سوتشي نفسه، مع بعض الإضافات التفصيلية حول آليات التنفيذ النهائي. أي إنّ ما يُعطي هذا الاتفاق زخمه ليس ما يحتويه من تفاصيل، بل توقيته والسياق الذي جاء ضمنه.

لا يغيب عن بال أي متابع حصيف أنّ واشنطن وعملاءها من الأطراف المختلفة قد ركَّزوا جهودهم طوال الفترة الماضية على تصعيد التوتر بين روسيا وتركيا يوماً بعد يوم، وبشكل حثيث، أملاً في الوصول إلى عتبة التفجير. وفي السياق فقد جهَّزوا خططاً متكاملة ومحكمة «من وجهة نظرهم»، تضمنت عدداً كبيراً من أفعال وأدوات التصعيد التي سيأتي يوم يجري كشفها بشكل أوضح.

نتيجة كل ذلك لم تكن صفراً بالميزان الأمريكي، بل على العكس تماماً فقد جاءت النتيجة سالبة وبقيمة كبيرة؛ فالحجر الذي يوضع في وجه عجلة التاريخ بغرض إيقافها، إنْ لم يتمكن من ذلك، فإنّه سيتحول إلى مصدر لقوة كامنة إضافية تكتسبها تلك العجلة بأن تقفز عالياً ثم تعود إلى دورانها بتسارع أعلى. وبالملموس، فإنّ صيغة أستانا لم تعد قابلة للمساس بها، بل أنجزت بعد هذه الضربات تفاهمات أعمق من كل تفاهماتها السابقة، وباتت منيعة بشكل كامل أمام أية محاولات غربية لزعزعتها.

أهم من ذلك، أنّ الطريق أمام أستانا بات ممهداً نحو إزالة آخر العثرات أمام وصولها إلى تنفيذ شامل للقرار 2254؛ عثرات من طراز النصرة وشبيهاتها، والاحتلال الأمريكي لقسم من شمال شرق سورية.

اللافت في العاصفة التي مرت بها أستانا خلال الأشهر الماضية لتخرج أقوى، أنّ المتشددين في الطرفين لم يدّخروا جهداً في مناصرة الأمريكي بشكل مباشر أو غير مباشر في الهجوم على أستانا. وفي السياق يمكننا تمييز صدى الهمسات التي ألقيت في أذن الائتلاف قبيل الاتفاق، والتي أقنعتهم بأن أستانا قد انتهت، وبدأوا ببناء سلوكهم السياسي على هذا الأساس، ليكبِّلوا أنفسهم بجملة تصريحات باتت الآن مدعاة للسخرية... وهذه ليس المرة الأولى التي تهمس الجهة نفسها في أذنهم كذباً، ويصدقونها ويقعون في الحفرة نفسها! المتشددون على الطرف المقابل لم يكونوا أحسن حالاً؛ إذ رفعوا رهانهم على انفراط عقد أستانا، إلى حدود الرهان بكل شيء تقريباً...

إنّ تطويق العدوان التركي وإعادة الأمور إلى نصابها ضمن اتفاقات سوتشي ومسار أستانا، وهو ما جرى تكريسه عبر اتفاق موسكو الأخير، ليس إلا خطوة كبيرة وحاسمة باتجاه الوصول إلى إنفاذ 2254... ولا عجب إذاً أن تخيب آمال كثيرين!

معلومات إضافية

العدد رقم:
956