التوتر الأمني المعيشي نحو ذروة جديدة
شهدت بعض مناطق محافظة درعا خلال الأيام القليلة الماضية درجات عالية من التوتر الأمني، ولا يزال التوتر حتى كتابة سطور هذه المادة قائماً.
رغم أنّ موجة التوتر الحالية ليست الأولى من نوعها بعد انتهاء الأعمال العسكرية فيها وحولها عام 2018 مع توقيع اتفاقيات المصالحة، حيث لم يمرّ شهر تقريباً دون حادث هنا أو حادث هناك، إلا أنّ الموجة الحالية هي الأكثر شدةً واتساعاً مقارنة مع كل ما جرى بعد المصالحات، والتي تكاد تبدو من حيث الشكل على الأقل، عودةً إلى مرحلة ما قبل المصالحات، بل وعودة إلى تفجير الأمور بأسوأ الأشكال وأكثرها إضراراً بمصالح السوريين وبمصالح سورية.
أول ما ينبغي الانتباه إليه، وقبل الدخول في الأسباب المباشرة للتصعيد القائم، الأمنية منها والاقتصادية والاجتماعية، هو أنّ توقيت هذا التصعيد ليس عفوياً بالكامل، وذلك رغم أنّ تراكم المشكلات بحد ذاته قادر على تفجير الأمور بأية لحظة؛ فالوضع السوري العام، يتمظهر اليوم بشكل مكثف في مسألة إدلب، والتوتر الهائل المحيط بها، وخاصة لجهة العمل الغربي المعلن الحالم بإنهاء مسار أستانا ونسف كل ما أنجزه على أمل العودة بالبلاد نحو مرحلة التشظي والخراب، ولكن بصورة أكثر ترويعاً، وبصورة لا عودة عنها، بحيث يجري خلق آليات تدمير ذاتي، تسمح للأمريكيين بالانسحاب وقلوبهم مطمئنة على أنّ الخراب والدمار والاستنزاف لن يفارق منطقتنا لوقت طويل قادم.
إنّ التصعيد القائم في الجنوب السوري، وحتى إنْ افترضنا أنه ليست للغرب أية يدٍ مباشرة فيه، إلا أنّ المؤكد أنّه سعيد به، وسيعمل على تكريسه وتعزيزه علّ وعسى تنفلت الأمور نهائياً ضمن حملة ضغط تخريبية على المستويات المختلفة وبكل الأدوات المتبقية.
إلى جانب المحاولة أعلاه لفهم ما يجري في درعا ضمن سياق أوسع، هو السياق السوري العام، وكذلك سياق الصراع الدولي القائم، والمحاولات الغربية الواضحة للعودة بالزمن إلى الوراء، لا يمكن بأية حالٍ من الأحوال التغافل عن الأسباب العميقة الداخلية لهذا التصعيد، والتي باتت تتضافر وتتزامن بشكل يصعب معه توقع أي شيء آخر سوى التصعيد والمزيد من التصعيد...
إنّ الأوضاع المعيشية الكارثية التي يعيشها السوريون عامة، تكاد تكفي وحدها للتنبؤ بجملة انفجارات، وليس فقط بانفجار في مكان دون غيره. الأوضاع التي تتدهور يوماً بعد آخر بسبب تأخر الحل السياسي الشامل أي تأخر تنفيذ كامل للقرار 2254. هذا التأخُّر قد بدأ يفعل فعله بشكل مضاعف، بالتكافل مع العقوبات الغربية المتصاعدة والمتوحشة من جهة، ومع السياسات الحكومية الليبرالية المنحازة انحيازاً كاملاً لأصحاب الثروات، والتي تعمل حتى اللحظة عكس اتجاه التاريخ، بإصرارها على نموذج اقتصادي محدد محكوم بالتبعية للغرب ومحكوم بشكل توزيع ثروة شديد الجور، ودون أية محاولة جدية، لا باتجاه محاربة الفساد الكبير، ولا باتجاه التوجه شرقاً بشكل حقيقي.
وإنْ كان هذا هو الوضع العام في سورية ككل، فإن ما يضاف إليه بما يخص بعض مناطق درعا، هو استمرار أشكال من السلوك الانتقامي الذي يراكم في صدور الناس مزيداً من الأوجاع والمظالم، السلوك الذي لا يمكن تجاوزه، وأياً يكن من يمارسه، ومن أي طرف كان، دون إرساء أساس حقيقي لعيش كريم للسوريين في بلدهم، وهذا الأخير لا يمكن أن يتم في إطار البنية الحالية، بل إنّ البنية الحالية باتت عاجزة ليس عن تقديم الحلول فحسب، بل وعاجزة عن التوقف عن توليد المشاكل.
إنّ التَّصعيد الجاري هذه الأيام في بعض مناطق درعا، ينبغي أن يكون إنذار خطرٍ حقيقي لكل وطني سوري بأنّ استمرار تأجيل الحل السياسي وتعطيله وتخريبه انطلاقاً من مصالح ضيقة وأنانية، سيفتح الباب واسعاً ليس أمام إعادة إنتاج الأزمة فحسب، بل وإعادة إنتاجها بمقاييس أكبر وأكثر كارثية من كل ما سبق. ولذا فإنّ التعامل مع التصعيد وآلية إنهائه ينبغي أن يكون تعاملاً وطنياً مسؤولاً يحرص على الدم السوري وعلى مستقبل السوريين، وبالتأكيد لا يجوز بحال من الأحوال أن يكون تعاملاً ضيق الأفق محدوداً، وكأن المشكلة هي مجرد مشكلة أمنية ذات طابع جنائي... وعليه فإنّ تسريع الحل السياسي بما يسمح بوضع حد لشتى أنواع التجاوزات على لقمة الناس وكرامتهم، وأياً يكن من يقوم بهذه التجاوزات، بات أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 955