الدولة القادرة: طهران والسلاح النووي
سعد خطار سعد خطار

الدولة القادرة: طهران والسلاح النووي

منذ ما قبل التصعيد الأخير بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في المنطقة جراء اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، والرد الإيراني المقابل بقصف قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق، كثرت الأحاديث والتحليلات عن مصير الاتفاق النووي الإيراني شبعد انسحاب واشنطن منه، وانعكاسات ذلك حول إمكانية قيام طهران بتطوير سلاحٍ نووي لزيادة إمكاناتها في مجال الردع العسكري.

في عام 2018 أكدت هيئة الطاقة الذرية الإيرانية أنها ستبدأ بتخصيب اليورانيوم الذي تجاوز (في ذلك الحين) الحد الأقصى البالغ 3,67% إلى 4,5% في مصنع «فورسداو» الإيراني، وكان ذلك بمثابة الخطوة الرابعة التي اتخذتها طهران في إطار تقليص التزاماتها بموجب الاتفاق النووي الإيراني الموقع في عام 2015، التقليص الذي مثّل رداً إيرانياً على انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية بشكلٍ منفرد من الاتفاق، وعلى العجز الأوروبي عن إنقاذه.
الخطوة الأخيرة
زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي
منذ ذلك الوقت، عزمت طهران على مواصلة تقليص التزاماتها كل 60 يوماً، «حتى تعود الولايات المتحدة إلى الاتفاق أو تستطيع الدول الأوروبية توفير التخفيف الكافي من العقوبات». وفي آخر خطوة لها، أعلنت إيران أنها سوف تتخلى عن الحد الأقصى لعدد أجهزة الطرد المركزي، مما عزز بعض التكهنات بوجود قرار مركزي إيراني بالسير نحو التخلص من القيود المفروضة على خلق وتطوير ترسانة نووية إيرانية.
وفي سياق الرد على تباطؤ الدول الأوروبية الموقعة (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) في الوفاء بالتزاماتها مع طهران، ظهرت أصوات إيرانية عديدة تدعو القادة الإيرانيين للعمل على الخروج من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وذلك انطلاقاً من أن إيران لا تستفيد تماماً من عضويتها في هذه المعاهدة في ظل عدم انضمام دول مثل الهند وباكستان والكيان الصهيوني وكوريا الشمالية إليها.
ورغم ذلك، لا ينبغي إغفال التأكيد الإيراني المتكرر بأن تقليص طهران لالتزاماتها النووية «لا يعني إنهاء جميع الالتزامات بموجب الاتفاق النووي، كما لا يعني أن إيران قررت الانسحاب من الاتفاق»، وبالفعل، يمكن ملاحظة العدد المتزايد من الخبراء الإيرانيين الذين يؤكدون رغبة إيران الجدية بالالتزام الكامل بالاتفاق، وبشكلٍ خاص إنهاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، لكن مع التشديد على مسألة حاجة إيران إلى تأمين إمكاناتها في الردع العسكري، ولا سيما بعد الاعتداءات الأمريكية الأخيرة.
ماذا لو قررت طهران ذلك؟
يؤكد الخبير في الحد من الأسلحة النووية في معهد «ميدلبوري» للدراسات الدولية، مايلز بومبير، أن إيران سوف تحتاج عاماً واحداً لإعادة الهياكل الأساسية النووية إلى مستويات ما قبل العام 2015، ويستند هذا الحساب إلى مقدار العمل الذي سيتعين على طهران أن تنجزه وفقاً للإمكانات الحالية، ولكن من المتوقع أن تقل هذه المدّة كلّما زاد عدد أجهزة الطرد المركزي، بحيث ينطوي تقدير الوقت على الكثير من التخمين، لأنه يعتمد على مدى جدية طهران في التحرك، والمسألة في العمق تكمن في الإجابة عن سؤال كيف لبلدٍ ما أن يقوم بتسريع تخصيب اليورانيوم من المستويات المنخفضة اللازمة لمحطات الطاقة النووية إلى المواد التي تصلح لصنع الأسلحة النووية؟ فكجزء من الاتفاق النووي، خفضت طهران تخصيب اليورانيوم إلى 3,7%، وخزنت ما لا يزيد عن 300 كيلوغرام منه، وتعمل حالياً على 5000 جهاز طرد مركزي من أصل 19000 جهاز كان موجوداً قبل توقيع الاتفاق.
تحتاج طهران إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 90% لتصنع سلاحاً نووياً، وإذا ما نظرنا إلى المستوى الحالي (4,5%) قد يُعتقد بأن طهران ما زالت بعيدة كثيراً عن الوصول إلى نسبة الـ90% المطلوبة. ولكن هنا تنبغي الإشارة إلى أن إيران تحتاج عاماً واحداً للعودة إلى الهياكل الأساسية التي كانت موجودة قبل الاتفاق النووي، أي إلى نسبة تخصيب 20% (وهي ما تسمى بالعتبة الحرجة). وبحسب المدير التنفيذي لرابطة مراقبة التسلح، داريل كيمبل، فإن عملية تخصيب اليورانيوم من المستوى 1% إلى المستوى 20% هي أكثر صعوبة بكثير من تخصيب اليورانيوم من المستوى 20% إلى المستوى 90%. ويعتمد مقدار الوقت المستغرق لإنجاز هذه المراحل الرئيسة للتخصيب في نهاية المطاف على كم ونوع أجهزة الطرد المركزي الإيرانية. أي أننا لا نتحدث عن عملية من شأنها أن تستغرق عشرات السنين، بل عن عملية تحتاج تكثيف إيران جهودها العلمية والتكنولوجية لأعوام قليلة فقط. ويوافق أخصائي السياسة النووية في كلية كينيدي الحكومية للعلوم بجامعة هارفارد، ماثيو بون، على هذا الاستنتاج: «يمكن لإيران، في حال لم يساعدها أحد، أن تنتج ما يكفي من المواد لصنع قنبلة في غضون عام، وأن تنجز صناعة القنبلة بنفسها بعد ذلك بوقت قصير، إننا نتحدث عن فترة تتراوح ما بين ثلاثة وتسعة أشهر».

حتى الآن، لا تبدو طهران تميل إلى هذا الخيار، ولا تزال تحاول ترسيخ انطباع حاسم لدى دول العالم بعدم سعيها إلى صناعة قنبلة نووية، بما في ذلك تشديدها على سماحها للوكالة الدولية للطاقة الذرية بمراقبة مواقع تخصيب اليورانيوم التابعة لها. ولكن ما لا تساوم عليه طهران هو ضرورة عودة الولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات والالتزام بالاتفاق النووي، ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، ولكن الفرق أن هذه التصريحات لا تخرج عن دولة مأزومة تستجدي المفاوضات، بل عن دولة قادرة ولديها من الخيارات ما يسمح لها بتأمين قدراتها العسكرية الرادعة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
948
آخر تعديل على الإثنين, 13 كانون2/يناير 2020 10:50