مرة أخرى: تعديل أم تغيير؟
عماد طحان عماد طحان

مرة أخرى: تعديل أم تغيير؟

تعود النغمة التي استمر العزف عليها مدة عامين، (تعديل أم تغيير)، إلى التصاعد بشكل تدريجي مع اقتراب موعد انعقاد الاجتماع الأول للجنة الدستورية السورية...

على الرغم من أنّ مواقف المتشددين من الطرفين قد كشفت نفسها، وكشفت تشددها السابق، عبر اعترافها هي نفسها بأن «النقاش» حول المسألة، قد يكون نافلاً، لأنّ التعديل قد يؤدي إلى تغيير، في الوقت الذي لم ينس فيه السوريون بعد إصرار كل منهما بشكل صارم على رأيه طوال السنتين الماضيتين في وجه الرأي الآخر، وصولاً إلى تحويل كل من الرأيين إلى شرط مسبق على تشكيل اللجنة؛ فمن جهة النظام جرى الإصرار على أن وظيفة اللجنة ستنحصر في تعديل دستور 2012، ومن جهة المعارضة جرى الإصرار على أنّ وظيفة اللجنة هي كتابة مُسوّدة دستور جديد، وبغض النظر عن دستور 2012. وحين لم يعد ممكناً منع تشكيل اللجنة، بأن تشكلت فعلاً، بات من الضروري أن يعتبر كل طرف أن ما جرى هو «انتصار تاريخي» لمصلحته في وجه الطرف الآخر، وضمناً جرت محاولة التراجع عن المواقف السابقة، ولكن مؤقتاً.

تحديدٌ مُتبصِّر

هذه الأيام، ومع اقتراب انعقاد الاجتماع الأول، وانتهاء الصدمة الأولى لعملية تشكيل اللجنة، وما فرضته من تصريحات «لطيفة ومرنة»، بدأت العودة التدريجية للغة السابقة، بما يشير إلى نوايا تعطيلية لدى المتشددين من الطرفين.
لم ينفع مع المتشددين التحديد المُتبصر الذي جاء في بيان سوتشي الختامي، والذي قال بـ«إصلاح دستوري» لا بتعديل ولا بتغيير، تاركاً الباب للسوريين أنفسهم، وفي إطار حوارهم المباشر، أن يصلوا إلى تفسيرهم الخاص للمسألة، فالإصلاح الدستوري يسمح بالذهاب في كلا الاتجاهين، وفق ما يتم الاتفاق عليه على أساس النقاش المباشر والملموس.
إنّ إمكانية التوافق بين السوريين ضمن اللجنة الدستورية هي إمكانية واقعية رغم كل الإرادات التعطيلية؛ فالظّرف الدولي يسمح، والإقليمي يسمح، والداخلي يسمح، بل إنّ الأزمة الإنسانية العميقة بأبعادها المختلفة، وخاصة بما يتعلق باللاجئين ومعاناتهم العميقة، كلّ ذلك يدفع ويضغط باتجاه ضرورة التوافق وتجاوز الخلافات الشكلية، عبر التنازلات المتبادلة ليس من المعارضة للنظام أو من النظام للمعارضة، بل من كليهما لمصلحة الشعب السوري.
حين يبدأ النقاش الملموس، سرعان ما ستختفي هذه المسألة الشكلية أصلاً، ليحتل مكانها التفكير المشترك العميق بأية سورية جديدة يريدها السوريون، وتالياً، أي الآليات الدستورية يمكنها ضمان ذلك.

نقاش المضامين

إنّ ما هو أهم من نقاش عقيم وتعطيلي حول (تغيير أم تعديل)، هو الذهاب إلى عمق المسألة في الإصلاح الدستوري؛ أي تحديد مجموعة المسائل التي يجب أن يتمحور حولها النقاش، وبين هذه المسائل مثلاً لا حصراً:
- إعادة توزيع الصلاحيات بين مختلف السلطات.
- علاقة اللامركزية بالمركزية في الظروف السورية الملموسة.
- الشكل الملموس لممارسة سلطة الشعب عبر الانتخابات على مختلف المستويات، أي ما هو النظام الانتخابي مثلاً للسلطة التشريعية؟ هل سيبقى النظام القديم الذي يعمل نفسه منذ الخمسينات، أم نذهب إلى نظام جديد يضمن تحقيق سلطة الشعب فعلاً لا قولاً...؟
إنّ التعامل مع المسألة بعقلية وطنية حريصة على الدم السوري وعلى المستقبل السوري، هو الطريق الإلزامي الوحيد لاستخدام اللجنة الدستورية بشكل فعلي كمفتاح للحل، وكمفتاح لممارسة الشعب السوري لحقه في تقرير مصيره بنفسه...

معلومات إضافية

العدد رقم:
935
آخر تعديل على الإثنين, 14 تشرين1/أكتوير 2019 14:05