اللجنة الدستورية وعقدة تمثيل «الإدارة الذاتية»
يعتبر إعلان تشكيل لجنة الإصلاح الدستوري من قبل الأمم المتحدة، تحولاً نوعياً في مسار الأزمة السورية، ينبغي عدم التقليل من أهميتها ودورها كمفتاح للحل السياسي الشامل، على أساس القرار الدولي 2254 بغض النظر عن الملاحظات العديدة، التي تخللت عملية تشكيل اللجنة وبنيتها، ومنها إقصاء العديد من القوى السورية، ومنها تيار «الإدارة الذاتية».
تنطوي أهمية تمثيل هذا التيار في لجنة الإصلاح الدستوري على عدة جوانب:
أولاً: هي انعكاس لوجود مسألة كردية في سورية بحاجة إلى حل في إطار الحل الوطني الديمقراطي العام للمسألة السورية.
ثانياً: هي ضرورة من جهة وجود قوة سياسية وعسكرية فاعلة على الأرض في الأزمة السورية، لا يمكن تجاهلها بغضِّ النظر عن درجة الاختلاف أو الاتفاق مع مشروعها السياسي.
ثالثاً: هي ضرورة وطنية سورية تتعلق بسحب البساط من تحت أرجل القوى الدولية التي تستثمر في الأزمة السورية، سواء كان الجانب التركي الذي يهدد بشكل يومي بالتدخل في الشمال السوري بحجة حماية الأمن القومي، أو الطرف الأمريكي الذي يتذرع بحماية «حلفائه» في محاربة الإرهاب لاستدامة وجوده على الأرض السورية.
من المعلوم أن تمثيل قوى الإدارة الذاتية كان وما زال مطلباً دائماً لقوى المعارضة الوطنية السورية، والطرف الروسي ولكن على ما يبدو، كان من نتائج مواقف القوى التي تحاول عرقلة الحل السياسي، بدءاً من قوى الحرب في الإدارة الأمريكية، ومروراً بالرؤوس الحامية في أنقرة، ومتشددي النظام والمعارضة، وانتهاء بالمواقف الملتبسة أو قصيرة النظر للبعض في الإدارة الذاتية، بقاء هذا اللغم في مسار الحل، وهو ما يضع على عاتق قوى الحل السياسي الدولية والإقليمية والسورية السعي إلى إيجاد صيغة لإزالة هذا اللغم.
إن حقيقة وجود مسألة كردية في سورية يعتبر أمراً واقعاً، لم يعد بالإمكان إنكار وجودها وتجاهلها، في ظل المنعطف الوجودي الذي تمر به البلاد، ليس لأنه ثمة مواطنون سوريون لهم خصوصيتهم القومية ولهم حقوق فقط، بل بالإضافة إلى ذلك، لأن عدم حل هذه المسألة حلاً ديمقراطياً عادلاً سيعني استمرار الأزمة، بكل ما تعنيه من مخاطر على وحدة البلاد، ومن هنا، فإن المدخل الصحيح لأية مقاربة جدية لمشكلة الأكراد السوريين هو المدخل الوطني، كما أشارت قاسيون مراراً، أي: اعتبارها مسألة وطنية سورية، ومعنى ذلك:
أولاً: إنها قضية تهم كل السوريين، وليست قضية الأكراد فقط، وهي جزء من المسألة الديمقراطية في البلاد.
ثانياً: لا يمكن حل المسألة الكردية بمعزل عن الحل السياسي الشامل للأزمة السورية، أو من خلال استمرار الأمر الواقع الحالي، أو إعلان الفدرالية، أو أي إجراء آخر من طرف واحد. وفي الوقت نفسه، لا يمكن حل الأزمة السورية حلاً حقيقياً وشاملاً على أساس القرار 2254 دون حل المسألة الكردية ضمناً.
ثالثاً: من جملة المهام الحالية أمام الوطنيين السوريين في مختلف مواقعهم تحديد أفق الحل، أي: الإقرار بوجود مشكلة بحاجة إلى حل، واستعداد كل الأطراف بوضع هذه القضية على طاولة البحث.
في هذه المرحلة الانعطافية التي تمر بها البلاد، فإن النخبة السياسية السورية في النظام والمعارضة مدعوة إلى اتخاذ موقف وطني بكل أبعاده استناداً إلى رؤية وطنية شاملة، فالتوافق بين السوريين والذهاب إلى الحل السياسي يفتح الطريق لعودة تلك المناطق إلى سيادة الدولة السورية، والحفاظ على وحدة واستقلال البلاد.
وفي هذا السياق، فإن لا مركزية إدارية موسعة، وحقيقية وفعالة تُنهي ظاهرة تفاوت المستوى التنموي، وتمنح إمكانات واقعية للجماهير العريضة بمراقبة السلطة التنفيذية وأدائها، عبر الانتخاب الديمقراطي الحر لممثليها في السلطة التنفيذية، بالإضافة إلى مراعاة الخصائص القومية للكرد السوريين، وغيرهم من أبناء القوميات الأخرى، وحقوقهم بالتدريس بلغتهم الأم إلى جانب اللغة العربية، وتطوير الثقافة الكردية وحمايتها وفسح المجال لها أمام وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة باعتبارها جزءاً من الثقافة الوطنية السورية، تشكل شرطاً لا بد منه، لردع حالة التجاذب القومي من هنا وهناك سواء كانت سياسات إنكار الوجود أو التهميش والإقصاء، أو الخطاب الانعزالي لبعض الكرد، لأن استمرار هذا التجاذب يُمكّن القوى المعادية من الاستثمار في استمرار هذه المشكلة، لاسيما وأن بعض مناطق الوجود الكردي في البلاد تحتلها قوات أجنبية لدول عديدة معادية بذريعة محاربة الإرهاب.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 934