الكرة في ملعب السوريين... الفشل ممنوع!
تنطلق أعمال اللجنة الدستورية السورية، بقوامها الكامل، يوم 30 من الشهر الحالي في جنيف. ومع الانطلاقة المنتظرة، وفي ظل الإشارات الكثيفة التي ترسلها أطراف متعددة، بالاتجاهين الإيجابي والسلبي، فإنّ من الضرورة بمكان، بالنسبة للسوريين أولاً، أن يكون لديهم تصور واضح عن أهمية هذه الخطوة وكيفية التعامل معها...
للمرة الأولى!
اليوم الأول لانعقاد اللجنة، سيكون تاريخ اللقاء المباشر الأول بين المعارضة والنظام، رغم أنّه لا يمكن القول إنّ المعارضة بأكملها ممثلة ضمن اللجنة، ولا حتى القول إنّ القوائم الثلاث كلها المشكّلة للجنة تقدم تمثيلاً كاملاً لكل التنوع السوري، ولكن رغم ذلك فإنها تقدم معاً درجة تمثيل جيدة كمنصة انطلاق نحو تمثيل الجميع، وأهم من ذلك، فإنها درجة تمثيل ضمن لقاء مباشر وليس عبر وسطاء.
إنّ هذا اللقاء يعني إقراراً عملياً من الأطراف المتشددة، بأنّ الشعارات التي تمسكت بها طوال السنوات الماضية، والتي تأسست على فكرة القضاء المبرم والنهائي على الطرف الآخر، أن هذه الشعارات كلها، والتي أسهمت إسهاماً كبيراً في تعميق النزف السوري، وفي تعميق الكارثة الإنسانية، قد ذهبت الآن أدراج الرياح.
اللقاء يعني أيضاً أنّ موافقة الأطراف الشكلية على القرار 2254، والذي يتمحور حول حق الشعب السوري بتقرير مصيره بنفسه، ويمر عبر آلية التوافق بين الأطراف المتصارعة، قد انتقلت الآن إلى موافقة عملية واضطرارية، لأن العاقل كما يعرف أن هنالك ضمن الأطراف المختلفة من يحمل رؤى وطنية حقيقية، ورغبة حقيقية في الحل، فإنّ أولئك الذين لا مصلحة لهم بالحل انطلاقاً من مصالحهم الضيقة، لم يوافقوا وينخرطوا في العملية إلا تحت ضغط الأمر الواقع، وبتأثير العمل النشط والجاد لثلاثي أستانا، وخير دليل على ذلك هو مجرد إلقاء نظرة سريعة على تصريحات المعطلين حتى قبل أيام من إعلان اللجنة، بل وحتى بعد تشكيلها... وهي تصريحات واضحة لا لبس في نواياها التعطيلية.
ثلاثي أستانا والمصغرة
ليس جديداً القول أيضاً، وهذا ما بات يعترف به القاصي والداني وخاصة أولئك المقربين من المجموعة المصغرة الغربية (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا، السعودية، مصر، الأردن)، إنّ تشكيل اللجنة مثّل انتصاراً لثلاثي أستانا (روسيا، تركيا، إيران)، وللصين من خلفهم، في وجه محاولات التعطيل الغربية. وما يمكن إضافته هنا، هو أن هذا الإنجاز يمثل تعبيراً إضافياً عن حقيقة موازين القوى الدولية على الأرض، ليس في سورية فحسب، بل وعلى المستوى العالمي أيضاً، وهو ما سينعكس بشكل أوضح في طريقة حل الأزمة السورية، والتي ستتحول كما أشار الرئيس الروسي في فالداي مؤخراً إلى «نموذج لحل الأزمات في المنطقة».
إنّ الجوهر الأعمق لهذه الفكرة، فيما نعتقد، هو أنّ كل الأزمات التي تعيشها آسيا وإفريقيا، والتي ترتكز إلى التركة السامة للاستعمار الأوروبي، وإلى الدور النشط الغربي في تفعيل تلك التركة من فوالق وانشقاقات بين الإخوة، من فوالق طائفية وقومية ودينية وغيرها، إنّ كل هذه الأزمات ستجد حلها عبر العمل على مسألتين متصلتين، الأولى هي إبعاد تأثيرات الأغراب عن المنطقة، والثانية هي الوصول إلى توافقات بين شعوب المنطقة ودولها، تنقلها نحو تعاون أخوي يصب في مصالح شعوبها، وهو الأمر الذي لا يمكن الوصول إليه دون تغييرات جدّية تضعف إلى حد الإنهاء، عملاء الغرب والمرتبطين به تجارياً، والفاسدين الكبار بشكل خاص، الأمر الذي يتطلب إطلاق الحريات السياسية بشكل حقيقي يتم من خلاله تفعيل دور الناس في الدفاع المباشر عن مصالحهم ومصالح دولهم...
الفرصة التي لن تضيع
عبر عمر الأزمة السورية الطويل والثقيل، مرّت فرص عديدة كان يمكن للسوريين فيها استراجاع زمام الأمور ودفع الأزمة نحو المخرج، ابتداء من الأشهر الأولى في 2011. لكن في كل مرة، كان يجري تضييع هذه الفرصة على يد المتشددين، ولأسباب مختلفة بينها القصور المعرفي لدى البعض من هنا ومن هناك، والذين كانوا يظنون أن الأمور ستعود إلى سابق عهدها، أو أنها ستتغير بسلاسة وسهولة إلى حيث يريدون وبيد الغرب ووزنه، وبينها أيضاً أنّ الفاسدين الكبار وتجار الحروب لم يريدوا يوماً الذهاب جدياً إلى حل الأزمة، لأنّ ذلك يعني بالنسبة لهم إغلاق «باب رزقهم»، لذا فضلوا أن يستمر قطع أعناق السوريين، على أن ينغلق ذلك الباب...
ضمن كل هذه الأحداث، ومع كل فرصة جرت إضاعتها لإعادة الحل ومركز الثقل نحو الداخل، كان المتدخلون الخارجيون، والغرب بالدرجة الأولى، يجدون منافذ إضافية لتعميق تدخلهم وتعميق تدويلهم للمسألة، حتى وصلنا إلى نهاية عام 2015، والتي شهدت أمرين كبيرين: الدخول الروسي المباشر على خط محاربة الإرهاب، الذي كان على وشك إنهاء الدولة السورية، وإصدار القرار 2254. ويمكن القول إنّ صدور هذا القرار كان قمة مرحلة التدويل، وأنه قد وضع الأساس الأولي للرجوع عن هذا التدويل بتثبيته مبدأ حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه.
أستانا
تثبيت مبدأ حق تقرير المصير، كان عاملاً مهماً وأساساً، حكم الفترة التي استمرت منذ بدايات 2016 وحتى الآن، ولكن نقله إلى حيز التطبيق العملي، وفي ظل الرغبة الغربية الواضحة في استمرار الأزمة والعمل على تضخيمها وتحويلها إلى صاعق انفجار للمنطقة بأسرها، في إطار محاولاته إشغال الخصمين الكبيرين، لمنعهما من المضي قدماً في إرساء عالم جديد، في ظل ذلك كله فإنّ التطبيق العملي كان بحاجة إلى ابتكار أدوات جديدة، لتدعم تنفيذ القرار؛ وهنا كانت أستانا، والتي استطاعت عبر ثلاث سنوات، تحجيم الإرهاب إلى حدود ضيقة، وتحجيم العنف والحرب إلى حدود دنيا أيضاً، وصولاً إلى الحد الكافي لإطلاق العملية السياسية التي لا يمكن دونها وضع النقطة الأخيرة في السطر الأخير من كتاب الأزمة ومن كتاب العنف.
وضمن هذا المسار نفسه، عقد مؤتمر سوتشي للحوار الوطني السوري الذي وضع أساس اللجنة الدستورية التي نتحدث عنها اليوم.
الكرة في الملعب السوري
مع تشكل اللجنة الدستورية، فإنّ المفتاح الضروري لفك القفل الأول للباب العملاق المسدود في وجه الحل، قد بات اليوم بيد السوريين، وعليهم أن يمسكوه بقوة وأن يديروه في القفل.
إنّ قدرة اللجنة على الوصول إلى توافقات، وبسرعة كبيرة، وللعمل بشكل جدي ويومي، هي قدرة عالية في حال توفرت الإرادة الوطنية الحقيقية؛ فالمسؤولية الأولى اليوم باتت على عاتق السوريين ليشقوا طريق خروجهم من الأزمة بعد أن ساهمت أستانا إسهاماً كبيراً في إزالة عراقيل عديدة وضخمة من هذا الطريق.
لن يكون بمقدور أحد منع اللجنة من التوافق، ومنعها من العمل بصدق، الأمر بأكمله بيد السوريين، وكل من سيعمل ضد الوصول إلى التوافق وضد تسريع إنجاز اللجنة لعملها، سيكون قد أعلن نفسه صراحة عدواً للشعب السوري.
لا يغفل عاقل أنّ متشددين من الأطراف المختلفة، لا ينظرون إلى الجنة إلا بوصفها مكاناً لتضييع الوقت، ولكن لا يغفل عاقل أيضاً، أنّ انكسار إرادة التعطيل الغربية على المستوى الدولي، هو فرصة للوطنيين السوريين- أياً يكن مسماهم السياسي، وأياً تكن القائمة التي دخلوا اللجنة على أساسها- للدفع نحو كسر إرادة التعطيل الداخلية، بما يسمح بإدراة المفتاح في القفل، وصولاً لفتح الطريق واسعاً أمام التنفيذ الشامل للقرار 2254؛ أي للشعب السوري لكي يقرر مصيره بنفسه.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 934