افتتاحية قاسيون 920: تقرير المصير دون تدخلات

افتتاحية قاسيون 920: تقرير المصير دون تدخلات

ظهرت خلال الأيام الماضية تصريحات وأحاديث شديدة التناقض حول موضوع اللجنة الدستورية، وخاصة من الجهة الأمريكية، التي أعلن مندوبها في مجلس الأمن، أنّ الفكرة تم إعطاؤها ما يكفي من الوقت، ولم تتحقق، ولذا يجب على المبعوث الدولي أن يتخلى عنها، بالتوازي مع إشارات أخرى عن إنجاز تفاهمات حول اللجنة واقتراب إعلان تشكيلها.

إنّ ما ينبغي أن يكون واضحاً، وبالتوازي مع أهمية فكرة اللجنة الدستورية، هي أنها في نهاية المطاف بند من بنود 2254 العديدة، والتي ينبغي تنفيذها كلها. وإذا كنا قد شهدنا عبر عامٍ ونصف، شدّاً وجذباً من متشددي الطرفين بين رفض مطلق للفكرة، أو قبول شكلي يترافق مع رفض ضمني عبر التفاصيل، فإنّ ذلك كله يأتي تأكيداً لحقيقة رفض الطرفين لجوهر القرار 2254: حق الشعب السوري في تقرير مصيره.

من جهة يريد متشددون في الداخل إعاقة المسار الدستوري (عبر اللجنة أو غيرها)، لأطول فترة ممكنة، على أمل أن تكون اللجنة الدستورية حين تشكيلها، اختزالاً لعملية التغيير بحيث لا يتم إنتاج أي تغيير فعلي.

ومن الجهة المقابلة، يريد متشددو الخارج، والغرب بالدرجة الأولى، منع المسار الدستوري من الانطلاق، إلّا وفق آليات وطرق تشبه ما ذهبت إليه المجموعة المصغرة في (لا أوراقها)، حيث يجري تفصيل التغيير من الخارج بما يتناسب مع مصالح الخارج.

وإذا كان متشددو الداخل يقفون في وجه أي تغيير، اللهم إلا تغييرات شكلية، وإذا كان متشددو الخارج يريدون تغييراً على هواهم وضمن مصالحهم، فإنّ المشترك بين الطرفين أنّهما معاديان لجوهر القرار 2254 والذي يقول بحق الشعب السوري في تقرير مصيره، وهذا الحق يعني قدرة السوريين على تحديد مستقبلهم ومستقبل بلادهم بعيداً عن الضغوطات والتدخلات الخارجية من جهة، ولكن أيضاً بعيداً عن سطوة قوى جهاز الدولة وقوى المال على قرارهم وحرياتهم.

القرار بجوهره إذاً، ليس حماية لإرادة السوريين من التدخلات الخارجية فحسب، بل ومن سطوة التحالف بين قوى الإعاقة وقوى المال في الداخل أيضاً.

إنّ ما ينبغي أن يكون واضحاً للجميع، هو أنّ الأزمة السورية لا يمكن تجاوزها، ولا حتى إيقافها عند الحدود الكارثية التي وصلت إليها، دون امتلاك السوريين لحقهم الفعلي والحقيقي في تقرير مصيرهم.

أحد أهم القادة الثوريين في القرن العشرين، كان يقول «من غير المهم من يُصوّت، المهم هو من يَعدّ الأصوات»، وبهذا المعنى فإنّ ضمان سيطرة الشعب السوري على جهاز عدّ الأصوات بمعناه الشامل، هو ضمانة التغيير الأساسية، وهو ضمانة تنفيذ حقهم في تقرير مصيرهم، وهذا يتطلب تغييرات عميقة وجذرية، اللجنة الدستورية وغيرها ليست سوى مفتاح لها، بحيث يكون هذا الجهاز بمنأى عن يد قوى الخارج، وبمنأى أيضاً عن قوى الإعاقة في الداخل: أي: أن يكون بيد الشعب السوري حصراً، وهذا ما سيتم في نهاية المطاف، لأنّه الطريق الوحيد لحل الأزمة السورية بشكل فعلي، ولأنه الطريق الوحيد المتناسب مع شكل العالم الجديد قيد الإنشاء، المتحرر من أشكال الاستعمار والاستغلال المختلفة، المباشر وغير المباشر، عبر قوى الخارج وعبر أدوات الداخل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
920
آخر تعديل على الأحد, 30 حزيران/يونيو 2019 20:31