افتتاحية قاسيون 911: حول التعكير والتعمير!

افتتاحية قاسيون 911: حول التعكير والتعمير!

ارتفعت خلال الأسابيع الماضية حدة الهجوم على روسيا والدور الروسي في سورية من جهات متعددة محسوبة على أطراف سورية مختلفة. وعلى رأس المسائل التي استند إليها هذا الهجوم: مسألة الجندي الصهيوني، ومسألة مرفأ طرطوس، وأستانا الأخيرة ونتائجها.

ورغم أنّ قسماً كبيراً من الحقائق والمعطيات حول هذه القضايا الثلاث لا يزال غير معلن، بل ويجري التلاعب به وتزويره بشكل مقصود، إلّا أنّ تفسيرها العميق لا يقف عند هذا الحد...

إنّ نظرة معمقة وموضوعية لموقع روسيا ضمن خارطة الأحداث العالمية خلال قرن من الزمن، من شأنها أن تكشف أهمية دورها ووزنها كنقيض أساسي للغرب، بصفته الاستعمارية القديمة- الجديدة، وعلى الأقل لأنها كانت دائماً مستهدفة منه كونها شبه تابع له، وبما يختفي تحته من نظام كوني أساسه نظام اقتصادي- اجتماعي عالمي قائم على الحروب والنهب، وهو الأمر الذي أبقاها دائماً محل استهداف من الخارج والداخل، وبشكل خاص من الصهيونية العالمية التي تحتل مركزاً قيادياً أساسياً ضمن المنظومة العالمية الغربية، كونها تمثل جزءاً هاماً من رأس المال المالي العالمي تاريخياً...

ويمكن القول باختصار: إنّ ثلاث مراحل قد مرت في طبيعة التأثير الصهيوني على روسيا ابتداء من أواسط خمسينات القرن الماضي، الأولى: كانت اختراقها وتخريبها وصولاً إلى انهيار الاتحاد السوفييتي. والثانية: خلال التسعينات حيث جرى إلى حد غير قليل احتواء روسيا ومحاولة هضمها نهائياً. ومنذ مطلع هذا القرن بدأت المرحلة الثالثة التي عنوانها هو العودة التدريجية إلى الخارطة عبر صراع مرير بدأ سرياً وغدا الآن شبه علني مع الصهيونية، داخلياً وخارجياً، وداخلياً بالدرجة الأولى.

إنّ المنحى العام للطريق الذي تسير روسيا عليه، يظهر واضحاً عبر مواقفها وسلوكها من القضايا المختلفة المطروحة على الساحة الدولية، وهي مواقف تعكس في جوهرها اختلالاً عميقاً في التوازن الداخلي ضد مصلحة الصهيونية والغرب عموماً، ويصبّ بشكل واضح باتجاه مصلحة الشعوب، ويظهر ذلك بجلاء ووضوح في سورية، ولكن هذا لا يعني قطعاً أنّ الصراع قد انتهى، بل هو مستمر مع ميل واضح بأرجحية القوى الوطنية الروسية المعادية للصهيونية التي تعتبر هذا العدو داخلياً قبل أن يكون خارجياً.

وإذا كان المنحى العام واضحاً فهذا لا يعني أبداً أنه ينبغي غض النظر عن بعض التشويشات التي يسببها الصراع الداخلي في روسيا، بل يتطلب من الوطنيين السوريين التعامل المسؤول معه وحوله بشكل يسمح بالوصول إلى تفاهمات وحلول حقيقية.

من جهة أخرى، فإنّ هنالك بوناً شاسعاً بين انتقاد الصديق والحوار معه، وبين اعتباره عدواً محتملاً ومحاولة تصيّد مواقفه وتصريحاته. إنّ التشدد ضمن الوضع السوري، بكل حوامله، ليس إلا تعبيراً سياسياً عن بنى اقتصادية اجتماعية تمتاز بالفساد العميق، وبالارتباط بالغرب، إن لم نقل التبعية المباشرة، اقتصادياً على الأقل، وسياسياً في كثير من الأحيان، سواء كان ذلك معلناً أم غير معلن. وهذا الصنف من الناس والقوى، حين يهاجم روسيا، وتحت أية ذريعة، فلأنه يعلم أنّ استكمال الصراع داخل وخارج روسيا، ضد المنظومة الغربية وتفرعاتها المختلفة، يعني: إغلاق الأفق التاريخي نهائياً أمام استمرارها، ويعني: رسم إحداثيات جديدة بالكامل لا يرى له موقعاً ضمنها.

إنّ محاولات تعكير المياه مع الأصدقاء، للصّيد فيها، هي بالضد تماماً من التعمير الحقيقي لسورية، بمعناه الواسع؛ الذي يشمل إنهاء الأزمة عبر 2254 وإعمار سورية وضمان استقلالها الحقيقي السياسي والاقتصادي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
911
آخر تعديل على الأحد, 28 نيسان/أبريل 2019 21:50