افتتاحية قاسيون 905: العقوبات والفساد وجهان لعملة واحدة
تواصل الدول الغربية تشديد عقوباتها الاقتصادية على سورية، وعلى مستويات متعددة، المعلن منها عقوبات على أشخاص ومؤسسات، وكذلك تهديدات بعقوبات على دول أخرى في حال تعاملت مع سورية اقتصادياً.
إنّ سياسة العقوبات الاقتصادية على سورية، وبعيداً عن الذرائع التي يجري تسويقها عبرها، لم تؤثر سلباً إلّا على عموم السوريين، وزادت فقرهم فقراً، بقطعها للسبل التقليدية والطبيعية التي يتم عبرها التزود بالمواد والبضائع الأساسية من قمح ومحروقات وغيرها، ويتم عبرها التبادل التجاري بأشكاله وأنواعه المختلفة.
وإذا كان انتقال مركز ثقل الاستهداف السياسي لسورية قد انزاح باتجاه العقوبات لإيصالها بشكل نهائي إلى وضع «الدولة الفاشلة» العاجزة عن القيام بأيّ من الوظائف الاجتماعية والاقتصادية تمهيداً لتفتيتها وإنهاء وجودها أو بالحد الأدنى إنهاء دورها الإقليمي لعشرات السنوات القادمة، فإنّ ذلك في عمقه تعبير عن انخفاض احتمال إيصالها إلى هذه الحالة «الفاشلة» عبر السبل العسكرية والسياسية، ولكن ذلك لا يعني إطلاقاً انخفاض مستوى الخطر.
ما لا يقال عن العقوبات، عدا عن تأثيرها الكارثي على وضع عموم السوريين، هو أن نظام العقوبات المتبع هو الإطار القانوني والسياسي الشكلي الذي تتأسس عليه سوق سوداء إجرامية بعشرات مليارات الدولارات...
إنّ السبل التقليدية للتجارة الخارجية المتبعة في سورية عبر عقود، تتضح من رقم التبادل التجاري الذي يصل مع أوروبا الغربية وحدها إلى حوالي 70% من إجمالي التبادل!
إنّ إغلاق السبل التقليدية يعني فتح الباب للسبل «غير التقليدية»، وهذه نوعان: الأول: هو عبر التوجه شرقاً نحو الدول الحليفة، وهو ما لم يجر السير فيه بشكل جدي رغم كل التطبيل الوهمي حوله، لا بل إنّ عرقلته مستمرة وبشكل عنيد. النوع الثاني «غير التقليدي» هو: تجارة الكومسيون الكبرى التي يجري على أساسها شراء البضائع نفسها، من الغرب نفسه، ولكن بأسعار تفوق بكثير الأسعار الدولية، ويجري توزيع تلك الزيادة على شكل نهب بين الفاسدين الكبار الداخليين ومنظومة الفساد الغربية، والأوربية بشكل خاص والمدعومة والمشغلة عبر واشنطن والاتحاد الأوروبي وعدد من المنظمات الدولية.
إنّ العقوبات بهذا المعنى، عملية متكاملة لها مسننات واحدة تربط الفساد الداخلي بالفساد الخارجي، وهي أهم وأكبر عملية نهب قام بها الفاسدون الكبار من رجال أعمال وموظفين كبار في جهاز الدولة، وذلك عبر مجمل تاريخ فسادهم الطويل في سورية، وهي وسيلة إثراء فاحش بسرعة هائلة، وهم لذلك متعطشون لمزيد ومزيد من العقوبات، بغض النظر عن الآثار الاجتماعية والسياسية المترتبة على ذلك. وفي ظل النهب الفلكي الذي يحققونه، فإنّ كل كلام عن إصلاح بنيوي في ظل سيطرة الفاسدين الكبار، ليس سوى وهم ساذج، أو إيهام تخديري بلا مفعول تقريباً.
إنّ الوصول إلى تغيير جذري عميق وشامل للبنية السياسية في سورية ولبنية جهاز الدولة وعبر الحل السياسي وفقاً للقرار 2254 والمدخل الدستوري الذي أنتجه ثلاثي أستانا، هو الطريق الإجباري للحفاظ على الدولة ووحدتها، لأنّ كل ما مرت به سورية حتى الآن لا يرقى بخطورته إلى الوضع الذي تعيشه الآن في ظل العمل الغربي المنهجي بالتوافق والتعاون والتعاضد الكامل مع الفاسدين الكبار، من أجل تدمير سورية من البوابة الاقتصادية الاجتماعية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 905