افتتاحية قاسيون 900: الاشتراكية هي الحل!
«أمريكا لن تصبح دولة اشتراكية أبداً»، كذلك قال دونالد ترامب في خطابه السنوي أمام أعضاء الكونغرس منذ أيام. لم يكتف بذلك، بل وأضاف «نشعر بالقلق لسماعنا دعوات جديدة لقبول الاشتراكية في بلادنا»
كلام ترامب هذا جاء في سياقين: داخلي وخارجي؛ الداخلي: هو الأكثر أساسية والذي يعود في ظاهره فقط إلى تصاعد لهجة منافسيه «من خارج المؤسسة»، أي: بعيداً عن جوقة أوباما- هيلاري، والمقصود هما بشكل أساسي ساندرز، وإليزابيث وارن، اللذان يجري وصفهما في الداخل الأمريكي بأنهما ذوا ميول اشتراكية.
السياق الخارجي: هو الحديث عن فنزويلا، والقول: إنّ سياساتها الاشتراكية هي المسؤولة عن حالة الفقر وعن الأزمة الراهنة فيها، وطبعاً ليس الحصار وعقوبات بلاده الخانقة الممتدة منذ سنوات طويلة.
الملفت أيضاً، هو الرد الصيني شديد اللهجة على دعوات ترامب؛ حيث نددت الخارجية الصينية من على منبر الأمم المتحدة بدعوة ترامب دول العالم لمواجهة الاشتراكية والشيوعية، مؤكدة أنّ «لدى كل دولة الحق في اختيار السبيل والنموذج الاجتماعي للتطور»، وأنّ «الشعوب هي صاحبة القرار بشأن ما إذا كان هذا النموذج أو ذاك ملائماً لدولها».
إن محاولة تفسير طروحات ترامب باعتبارها «مساجلات انتخابية» انطلاقاً من العقلية التي كانت سائدة في المرحلة المكارثية، تفسير عاجز وناقص؛ في تلك المرحلة كانت الشيوعية تهمة تستوجب كل أنواع الملاحقة والتضييق، وتلتها عقود من العمل الأيديولوجي المنظم ضد الأفكار الاشتراكية والشيوعية داخل الولايات المتحدة، لكن الواقع اليوم بات مختلفاً بشكل حاد، وفي الولايات المتحدة نفسها، قبل غيرها.
إنّ مجمل الطروحات النظرية والعملية التي جرى تقديمها خلال العقدين الأخيرين، من المؤسسة الحاكمة في أمريكا، وصولاً إلى طروحات ترامب، الذي لا ينتمي مباشرة إلى المؤسسة نفسها، لكنه ليس بعيداً عن النخبة الاقتصادية الحاكمة، بل يصح القول: إنه أكثر قرباً من تلك النخبة من المؤسسة البيروقراطية الضخمة... إنّ مجمل الطروحات لم تستطع تقديم حلول ومخارج جدية من الأزمة العميقة والشاملة التي تعيشها الولايات المتحدة على الصعد المختلفة، والأرقام الاقتصادية قبل غيرها تشهد بذلك.
إنّ «القلق» الذي ينتاب ترامب، والذي وصل به إلى التعبير جهاراً، هو قلق حقيقي يشترك فيه حتى مع خصومه ضمن المؤسسة.
بكلام آخر فإنّ رئيس الولايات المتحدة يعمل على توحيد فريقه مع المؤسسة ككل، بمن فيهم الخصوم، على مهمة أساسية يصيغها بالشكل التالي:
ينبغي منع الاشتراكية! أي: أن على الرأسمالية أن تبقى ليس لأن لديها القدرة على البقاء، بل كي لا تحل الاشتراكية محلها.
الإنذار الذي أطلقه ترامب، يشير أيضاً إلى عمق الانقسام ضمن النخبة الحاكمة، والذي يحذر من أن استمرار هذا الانقسام سيفتح الباب للاشتراكية... ولن يكون مستغرباً في سياق كهذا أن يجري تحضير أدعياء مزيفين للاشتراكية علهم يمتصون خطورة المرحلة عبر الإساءة للاشتراكية نفسها...
الأكثر جوهرية في الطرح الذي يقدمه ترامب، وفي المهمة العامة التي يصوغها لبلاده، هو بالضبط أنّ الاشتراكية أصبحت خطراً داخلياً بالنسبة لما يمثله ترامب، وليست خطراً خارجياً فقط كما كانت حتى الآن، فالشبح الذي كان يجول أوروبا قبل أكثر من ١٥٠ عاما بعيداً عن الأراضي الأمريكية، تحول إلى قوة حقيقية فاعلة ملموسة تهدد النخبة الحاكمة الأمريكية في عقر دارها!