افتتاحية قاسيون 896: استعادة سيادة الشعب السوري
ترزح الأغلبية الساحقة من السوريين تحت أعباء ظروف اقتصادية ومعيشية خانقة تتوالى فيها الأزمات دون توقف؛ من الكهرباء إلى الغاز والمازوت، إلى اضطراب سعر الصرف والتهتك المتسارع للخدمات العامة، وأزمات المواصلات، إضافة إلى أزمة الأزمات المتمثلة بالارتفاع المستمر للأسعار بما فيها أسعار المواد الأكثر أساسية للبقاء على قيد الحياة...
وإذا كانت سنة 2018 قد شهدت تحولات كبرى بالمعنى العسكري؛ من استعادة لمناطق واسعة من البلاد، ومن فتح للطرقات، بما فيها معابر تجارية مع دول مجاورة، ومن إعادة الدوران لجزءٍ من عجلة الإنتاج، فإنّ ذلك كلّه لم ينعكس على حياة القسم الأكبر من السوريين الذين كانت لديهم آمال بأنّ تحسن الظرف العسكري والسياسي لا بد سينعكس على حياتهم باتجاه تحسينها، أو وقف تدهورها على الأقل... لكن ما جرى ويجري، أصاب السوريين بخيبة أمل كبيرة، معيداً التأكيد أنّ الحل الحقيقي ليس إلا الحل السياسي الجذري الشامل...
إنّ أساس المشكلة وجذرها، كان وما يزال في منظومة توزيع الثروة ضمن سورية؛ المنظومة التي كانت تمنح 75% من إجمالي الناتج المحلي السنوي لحوالي 20% من السوريين، بينما يحصل 80% من السوريين (هم من ينتجون كل الثروة)، على 25% من الثروة. هذه الأرقام باتت أفظع وأكثر جوراً خلال الأزمة، ناهيك عن ابتلاع الفساد لـ30% من الناتج سنوياً، وفقاً لأرقام العقد الأول من الألفية، وهو الأمر الذي بات أوسع وأكثر عمقاً خلال الأزمة.
وضّحت الأزمة أيضاً، أنّ تغيير وزير ما، أو مجموعة وزراء، أو حتى رئيس وزراء أو حكومة بكاملها، لم يقدم حلاً لأي من المشكلات الكبرى، بل إنّ سلوك الحكومات المتعاقبة يمضي من سيئ إلى أسوأ، وهو الأمر الذي يعيد التأكيد على أنّ الأزمة أعمق بكثير؛ أزمة نظام سياسي- اقتصادي- اجتماعي، يعمل لخدمة «نخبة اقتصادية» عابرة للطوائف والقوميات والولاءات، يزداد غناها فحشاً بينما يزداد الشعب السوري فقراً.
إنّ حلاً حقيقياً للأزمة السورية العميقة، لن يتم إلا عبر حل سياسي شامل، يبدأ بتطبيق القرار 2254، عبر بنية دستورية جديدة تسلح الشعب السوري بالأدوات القانونية والسياسية اللازمة للدفاع عن حقوقه في وجه مستغليه من كل شاكلة ولون.
إنّ استعادة السيادة السورية بمعناها العميق، ليست مطلباً طارئاً نشأ بعد 2011، بل هي أقدم من ذلك؛ فاستعادة السيادة لا تعني استرجاع الأرض السورية لسلطة الدولة السورية فحسب، ولا تعني إنهاء التدخلات الخارجية في الشأن السوري فقط، بل وتعني أيضاً: استعادة الشعب السوري لسيادته على أرضه وموارده، وافتكاكها من يد الفاسدين الكبار ومن يدعمهم ويحميهم ضمن جهاز الدولة. وإذا كان التوازن الدولي الجديد ودور حلفاء الشعب السوري يدفع بشكل متسارع نحو إنهاء التدخلات الخارجية، ونحو استعادة الدولة للسيادة على الأرض، فإنّ استعادة السيادة الكاملة للشعب السوري على دولته بالمعنى العميق، هي المهمة الأولى خلال السنوات القليلة القادمة، والتي سيشكل تنفيذ 2254 الخطوة الأولى ضمنها فحسب!