لمنجمي السياسة على أبواب 2019... هذا ما قلناه قبل أكثر من 12 عاماً!

لمنجمي السياسة على أبواب 2019... هذا ما قلناه قبل أكثر من 12 عاماً!

من المعتاد أن تقوم الوسائل الإعلامية المختلفة، مع نهاية كل عام وبداية العام الجديد، بتقديم تكثيف وتلخيص لحصيلة العام المنصرم، إضافة إلى توقع واستشراف ما يمكن أن يحدث خلال العام الجديد...

ولمّا كانت بعض القوى والشخصيات السياسية السورية، وأمام التحولات الضخمة الجارية، قد بدأت تخلع جلدها وتدجّل علناً علّ ماضيها يضيع في النسيان، ولمّا كانت بورصة التنجيم السياسي في ذروتها هذه الأيام، فقد اختارت «قاسيون» أن تودع 2018، وتستقبل 2019، بطريقة مختلفة؛ بأن تدفع إلى السطح، لا نبوءات وتوقعات جديدة، بل توقعات علمية متحققة، استندت إليها، ولم تكفّ عن تطويرها خلال سنوات من العمل النضالي، بوصفها لسان حال حزب الإرادة الشعبية، وقبل ذلك لسان حال اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين...

في هذا العرض، نقتبس من تقريرين حزبيين منشورين على موقع قاسيون (ويمكن للمهتم أن يعود إليهما)، عام 2006، و2007؛ الأول هو: التقرير المقدم للاجتماع الوطني السادس للجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين بتاريخ 11/آب/2006، والثاني هو: التقرير المقدم للجلسة الثانية للمؤتمر الحادي عشر للشيوعيين السوريين- تيار قاسيون بتاريخ 30/تشرين الثاني/2007، وقد قدم كلا التقريرين الرفيق قدري جميل، أمين حزب الإرادة الشعبية.

ولا بد قبل الدخول في عرض اقتباساتنا من التقريرين، أن نقول أنّه خلال التاريخ الذي كتبا وعرضا به، أيّ 2006 و2007، كان من «الجنون المحض» أن يقول أحد أو تقول قوة بأيٍ من المفردات التالية:

  • أزمة رأسمالية شاملة وعميقة تضرب المركز الأمريكي الإمبريالي، ولن تتوقف عن التعمق.
  • بنتيجة الأزمة ستضطر واشنطن للخروج باتجاه الحرب، ولتوسيع رقعتها سعياً وراء التنفيذ الفعلي للفوضى الخلاقة بأدوات التفتيت القومي والمذهبي والطائفي... إلخ
    توازن دولي جديد يلوح في الأفق، ستتقدم بموجبه الصين وروسيا وستتراجع الولايات المتحدة.
  • روسيا أمام تحوّل تاريخي في دورها، وهي مرشحة للعب دور كبير على المستوى الدولي، ولاستعادة موقعها.
  • النظام الرسمي العربي بأكمله قد انهار ومات، ونحن في مرحلة مات فيها القديم، ولكن الجديد لم يولد بعد.
  • ستستخدم الإمبريالية الأمريكية في سعيها لتفتيت منطقتنا وسائل مركبة عسكرية وسياسية واقتصادية، وستستخدم إضافة لشعاراتها الكاذبة المعتادة حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، ستستخدم الثنائيات الوهمية المختلفة (نظام- معارضة) (علماني- متدين) (عربي- كردي) ...إلخ كما ستستند إلى الليبرالية الجديدة لتعميق ضعف بنى الدول في العالم الثالث تجهيزاً لتفتيتها.


وليس نافلاً القول: إنّ مقولات أساسية قد تم تثبيتها قبل ذلك بأعوام، وخاصة عام 2003 في تقرير المؤتمر الاستثنائي للحزب الشيوعي السوري الذي تولدت عنه حالة قاسيون ومن ثم حالة اللجنة الوطنية، والتي كان على رأسها: (الأزمة الرأسمالية وتراكم المشكلات التي خلقتها ستؤدي إلى عودة الجماهير إلى الشارع في العالم بأسره، وعلى الأحزاب الثورية أن تعود إلى الجماهير لكي تعود معها إلى الشارع...)
إنّ أية مفردة أو مقولة مما عرض أعلاه، كانت تواجه بحالة الصدمة والمفاجأة ذاتها التي نراها على وجوه سياسيين وقوى سياسية عديدة في سورية وحول العالم، أمام كل تحوّل جديد مفاده تأكيد التراجع والتقهقر الأمريكي والغربي...

مقتطفات من التقريرين مصنفة وفقاً لعناوين رئيسة:

أولاً: أزمة الإمبريالية الأمريكية

  1. لم يؤد انهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومة البلدان الاشتراكية إلى خروج الإمبريالية بشكل عام والإمبريالية الأمريكية بوجه خاص من أزمتها العامة، بل تبين أنه بعد 15 سنة على ذلك الانهيار ازدادت أزمتها العامة البنيوية الشاملة التي لا حل لها في الداخل ـ حسب منظريها الجدد ـ إلا باللجوء إلى الخيار العسكري في جهات الأرض الأربع.
  2.  إذا كانت الإمبريالية الأمريكية محكومة بالحرب بسبب أزمتها الاقتصادية المستعصية والمالية المتفاقمة، وبسبب التناقضات الاجتماعية الداخلية العميقة، فإنها أيضاً محكومة بتوسيع رقعة الحرب، وخصوصاً عند عجزها عن تثمير الانتصار العسكري إلى انتصار سياسي ـ اقتصادي، أي أنها ستلجأ، أملاً بالخروج من المأزق، إلى محاولة إشعال نيران الحرب الأهلية من جهة، وإلى نقل نيران الحرب إلى المناطق المجاورة من جهة أخرى، إن استطاعت إلى ذلك سبيلاً.
  3. تسعى الإمبريالية الأمريكية وعن طريق القوة العسكرية، إلى وضع اليد مباشرة على نفط المنطقة كاملاً كسبيلٍ للخروج من أزمتها والانهيار المحتمل، وسد الطريق على منافسيها العالميين مع كل ما يرافق ذلك من مغامرة أو مقامرة، لأن الحرب وتوسيعها لا يقدمان الضمانات المطلقة للوصول إلى النتائج المرجوة، خصوصاً مع ميل الشعوب المتزايد إلى المقاومة يوماً بعد آخر.
  4. لا مناص من تغيير جذري قادم في ميزان القوى بعد أن تكونت عناصر هذا التغيير على المستوى الدولي العام.
  5. وهذا يقودنا إلى الاستنتاج الأهم، وهو: أننا أمام بداية مشهد انهيار متدرج للنظام الإمبريالي العالمي الذي تمثل الإمبريالية الأمريكية طليعته دون أن يستطيع أحد تقدير الآجال الزمنية لهذا الانهيار.


ثانياً: الصين وروسيا

إن الاقتراب المتوقع في المدى المنظور للخطر الأمريكي من حدود روسيا والصين سيضطرهما لاتخاذ مواقف أكثر جذرية من الأطماع الإمبريالية الأمريكية، وهناك بداية تمايز للدور الصيني والروسي على الساحة الدولية، ولا يجوز كذلك المراهنة على بعض الخلافات الأوروبيةـ الأمريكية، لأن الاتحاد الأوروبي وريث أوروبا العجوز بوجه عام سرعان ما يخضع للضغوط الأمريكية ويقدم على التواطؤ المباشر وغير المباشر ضد الشعوب، وينخرط في السياسات العدوانية لواشنطن، خصوصاً أن الإمبريالية الأوروبية كذلك تعتبر الصين ودولاً آسيوية أخرى منافسين لها، وستعمل لإعاقة بروز قوى عالمية كبرى جديدة.
يجب القول: إن الامبريالية العالمية بشقيها الأوروبي والأمريكي، لا تريد روسيا من حيث الهدف البعيد لا رأسمالية، ولا اشتراكية، إنها تريد إلغاء روسيا من الخارطة الجغرافية- السياسية، بسبب كونها قوة قارية كبرى، تتمتع بـ40% من ثروات العالم الباطنية، والتي تعادل لوحدها ضعفي ما تملكه أوروبا والولايات المتحدة والصين واليابان مجتمعين، إلى جانب أنها موضوعياً قادرة، إذا ما توفر الظرف السياسي المناسب، على إعادة التحول إلى قوة عظمى، فهي مثلاً: تملك 25% من علماء العالم، إضافة إلى كونها المكافئ الذري الوحيد للولايات المتحدة الأمريكية، وهي تسيطر حتى هذه اللحظة على 60% من الفضاء الكوني.
(...) إن كل هذه المؤشرات كانت محصلتها تصاعد الموقف الروسي المتباين أكثر فأكثر بالتدريج، مع السياسة الأمريكية في العديد من القضايا العالمية ابتداءً من «كوسوفو» إلى «الدرع الصاروخي» ومعاهدة نشر الأسلحة التقليدية، إلى الموقف من إيران وملفها النووي، وصولاً إلى الوضع في المنطقة.

إن الوضع الروسي يتطور، وتحت تأثير عاملين:
الضغط الجيوستراتيجي على حدودها الغربية والجنوبية الذي كما يلاحظ، كلما ازداد، ازدادت حدة لهجة المواقف الروسية.
الوضع الاقتصادي ـ الاجتماعي، الذي كان على شفا الانهيار والتشظي، وبدأ بالاستعادة التدريجية البطيئة لشيء من عافيته، على حساب أسعار النفط، ومواقع الأوليغارشيا اليهودية الصهيونية، ولكن هنا لا يجوز توقُّع تغيير سريع ودراماتيكي في السياسة الروسية في ظل البيئة السياسية القائمة، وإنما الأمر سيأخذ وقته وسيتسارع بقدر اقتراب الأخطار من حدود روسيا التي تؤثر على وحدتها وسياستها، إن إسهابنا النسبي في الحديث عن الوضع الروسي يكمن سببه في أن هذا العامل، مع المتغيرات اللاحقة فيما لو استمرت، يمكن أن يكون عاملاً هاماً في تطور الوضع الدولي، وبالتالي سيكون مؤثراً على نتائج الصراع في منطقتنا.

 ثالثاً: الفوضى الخلاقة والثنائيات الوهمية
استفادت الإمبريالية الأمريكية من خلال دورها المختلف بالشكل وليس بالجوهر عن الاستعمارين الفرنسي والإنكليزي في المنطقة، من ماكينة إعلامها الهائل بالتستر على أهدافها الحقيقية في المنطقة عبر شعارات الديمقراطية، ومحاربة الإرهاب، وحقوق الأقليات، وتمكين المرأة، وحقوق الإنسان، والحداثة، إلى آخر ما هنالك من مصطلحات شكلت قنابل دخانية لإخفاء أهدافها الحقيقية والتي تأتي على رأسها السيطرة والهيمنة على المنطقة كمفتاح رئيس وأساس لتحقيق المشروع الإمبراطوري الأمريكي.
لقد أدركنا باكراً أن أحد الأدوات الرئيسة في السيطرة الأمريكية هو: التحكم بالوعي الاجتماعي، وكان من أبرز الوسائل في ذلك هو تصنيع وإطلاق الثنائيات الوهمية لإحداث الاستقطابات لصالحها على أساس تلك الثنائيات، والتي أبرزها «أنظمة ـ معارضة»، «سنة ـ شيعة»، «ليبرالية ـ قطاع عام فاسد»، «أكراد ـ عرب»، «فرس ـ عرب»... إلخ وكان الهدف من خلق هذه الثنائيات التضليلية والتي لها أساس ما في الواقع، إبعاد الشعوب عن فهم الصراع الحقيقي والتناقضات الأساسية في الواقع الموضوعي، مثل: «إمبريالية ـ شعوب»، «عمل ـ رأسمال»، «ظالم ـ مظلوم»، أي: تحويل الوعي الاجتماعي وحرفه باتجاه التناقضات الثانوية وأحياناً الوهمية، الشيء الذي يسمح بنشوء وعي مزيف لدى الجماهير وغير مطابق للواقع، وعند ذلك تسهل السيطرة الإمبريالية بأقل كلفة مادية وبأخفض الخسائر البشرية.

رابعاً: الوضع العربي والإقليمي1
لقد بدأنا بالحديث عن انهيار النظام الرسمي العربي بعد قمة بيروت 2002، أي: بعد الاجتياح الإسرائيلي الكامل للضفة بعد 24 ساعة على انفضاض القمة التي كرست مفهوم السلام كخيار إستراتيجي وحيد، فجاء الجواب الإسرائيلي بالاجتياح المباشر ليقول: إن الآلة العسكرية والعدوان المباشر هما خيار إسرائيل الصهيونية الوحيد إزاء مثل هكذا نظام عربي رسمي، وقد جاء مؤتمر القمة الأخير في الخرطوم إثباتاً فاضحاً لفشل هذا النظام وانهياره، الأمر الذي سيفضي لاحقاً إلى إعادة تكوين هذا النظام ليس كما تشتهي الإمبريالية الأمريكية والصهيونية، بل بإرادة شعوب هذه المنطقة على أساس معيارين اثنين وهما:

  1. الموقف من الإمبريالية، وخاصة الأمريكية سياسياً واقتصادياً عبر الانتقال من حالة الخضوع والخنوع إلى حالة المواجهة والتصدي في المجالات كافة.
  2. الموقف من الداخل باتجاه إصلاحات وطنية ديمقراطية تحرر الجماهير من أغلالها وتؤمن لها العيش الكريم من ثرواتها المنهوبة.

ولا نبالغ عندما نقول بأن ملامح النظام العربي الجديد قد بدأت بالتكون وتظهر أحياناً بشكلها الكامن عبر:

  1. الموقف العدائي الكبير والمتصاعد للجماهير الشعبية من الإمبريالية والصهيونية، وهو مؤشر جدي لم يسبق له مثيل في التاريخ المعاصر.
  2. الغربة الشديدة بين الحكام العرب والجماهير التي تكتوي بكل أشكال القمع المستتر والمفضوح.
  3. التدني الشديد للمستوى المعاشي للشعوب في البلاد العربية وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية إلى حدود لم يسبق لها مثيل من فقر وبطالة وقصور في النمو، رغم الثروات الهائلة التي تراكمت مؤخراً وخلال العقود الماضية بسبب الريع النفطي، الأمر الذي أدى إلى استفحال الاستقطاب الطبقي بشكل مذهل حيث ازداد الأغنياء غنى بشكل فاحش وازداد الفقراء فقراً بشكل متوحش.
  4. ضعف وحتى إفلاس تنظيمات سياسية مختلفة، كان قسم منها حتى الأمس القريب يعتبر في عداد حركة التحرر العربية، مما خلق فراغاً سياسياً مؤقتاً يتطلب بالضرورة تعبئته بأشكال جديدة قادرة على التعبير عن مطالب ومطامح الجماهير الشعبية في الظروف الجديدة.

إذاً فالقديم يموت والجديد لم ينشأ بعد لكنه سيكون ثمرة تحول عميق في بنية الأنظمة السياسية في البلدان العربية.

خامساً: الوضع الداخلي- تقييم عام1

  1. استكمال الهيمنة الأمريكية على المنطقة لا بد له من إخضاع سورية والهيمنة على مقدراتها، لأنها منطقة حساسة ولا يمكن إنجاح مخطط الشرق الأوسط الكبير دون استهدافها لاستكمال عملية تفتيت وإعادة تركيب المنطقة...
  2. إن بلدنا أمام عدوان داهم في زمن يتناقص، ولا بد من التحضير للمواجهة المرتقبة، والتي تأخر التحضير لها لأسباب تحدثنا عنها سابقاً وطويلاً في كل ما نشر من وثائقنا. لم ولن نتزحزح قيد أنملة عن خطنا العام في عدائنا للإمبريالية الأمريكية وحليفتها إسرائيل الصهيونية، وأكدنا على أهمية تجميع القوى الوطنية مهما كان انتماؤها الأيديولوجي، تأسيساً لخيار المقاومة الشعبية الشاملة.
  3. أكدنا وما نزال، أن للإمبريالية الأمريكية امتداداتها الداخلية المتمثلة بقوى الفساد الكبرى التي تمثل بوابات العبور للعدو الخارجي، وقلنا: إن هذا الخطر تعبر عنه سياسياً قوى الليبرالية الجديدة، وهي موجودة داخل جهاز الدولة وخارجه.
  4. إن سير الأحداث، يزيدنا قناعة بأن ثنائية المعارضة والنظام هي ثنائية وهمية. فما جرى ويجري في العراق وفلسطين ولبنان وما نواجهه من تهديدات لبلدنا سورية ومن انجرار بعض القوى التي يفترض أن تكون وطنية معادية للإمبريالية الأمريكية إلى مستنقع السكوت والتغاضي، بل تبرير الاحتلال الأمريكي أو الغمز من قناة المقاومة الوطنية اللبنانية، يجعلنا نستنتج أن تفكيك الثنائيات الوهمية باكراً وتحطيمها في الوعي السياسي والاجتماعي هو ضرورة وطنية قصوى، كي يأخذ النضال اللاحق مجراه الصحيح غير المشوه، مما يسمح بوضع الأمور في نصابها ويسهل الفرز على أساس وطني واجتماعي في المجتمع وبين القوى السياسية، ويفتح الطريق أمامنا كشيوعيين لاستعادة دورنا الوظيفي، ويمنع الخصوم من وضعنا في الزاوية الحرجة.
  5.  أكدنا على ضرورة صياغة دور جديد للدولة بدل الدور الوصائي القديم الذي أفرزته البرجوازية البيروقراطية والبرجوازية الطفيلية، وكذلك بعيداً عن الدور المزيف الجديد، الذي يطرحه بعض أطراف الثنائية الوهمية استناداً للمنطق الليبرالي الجديد الداعي لتحويل دور الدولة إلى مجرد شرطي سير ينظم حركة الرساميل وشكل النهب الجديد، وقلنا: إن الدور الجديد للدولة يجب أن يحقق معدلات نمو عالية وعدالة اجتماعية وديمقراطية واسعة، وهي مهمات مرتبط بعضها ببعض، ونقطة الانطلاق لتحقيقها هي كسر آليات النهب واجتثاث جذوره، وهذا يتطلب إصلاحاً وطنياً شاملاً، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وإدارياً.



سادساً: الوضع الداخلي- الاقتصادي1


تميز اقتصادنا الوطني بالملامح التالية:

  1. قصور في معدلات النمو.
  2. نضوب في الموارد الضرورية للتطور اللاحق والمطلوب.
  3. التدهور المستمر للمستوى المعاشي للجماهير الشعبية.
  4. استمرار النزيف الاقتصادي عبر الفاقد الذي يسببه النهب الكبير المرافق للفساد.
  5. استفحال ظاهرة البطالة التي وصلت إلى مستويات تهدد الأمن الاجتماعي.


 إن كل ذلك يؤدي إلى انخفاض حصة الفرد من الدخل الوطني، وازدياد الخلل في توزيع الدخل الوطني، الأمر الذي أدى إلى تمركز هائل لرساميل الفاسدين بشكل لم يسبق له مثيل، حيث أصبح من الصعب معرفة عدد المليارديرية الجدد، وهذه ظاهرة خطيرة توضح عمق الاستقطاب الطبقي في البلاد.
 والمفارقة هنا: أن الممارسة الاقتصادية على أرض الواقع تسير بالاتجاه المعاكس تماماً للخطاب السياسي الذي يعبر عن إرادة مواجهة ويحظى بتأييد الجماهير في سورية والعالم العربي، ومن اللافت أن كثرة الحديث عن الإصلاح يقابله تراجع جدي في أهم المؤشرات الاقتصادية، والتي من المطلوب أن تتحول إلى عوامل الصمود، لا أن تتحول إلى أداة إضعاف إرادة المواجهة. لذلك فإن قلق الناس والشارع حول الوضع الاقتصادي ـ الاجتماعي في البلاد هو قلق مشروع، لأن الممارسة الاقتصادية تستفز الشارع وتهز الاستقرار الاجتماعي وتضعف مصداقية الخطاب السياسي، لذلك يحق لنا أن نظن بأن هناك في بنية النظام ألغاماً موقوتة تعمل بالتواتر مع الضغوطات الخارجية لخلق الأرضية وتوسيعها لبعض المعارضات المرتبطة بالخارج، وخاصة تلك التي كانت جزءاً من النظام حتى الأمس القريب.

سابعاً: الوضع الداخلي- السياسي1

 ما تزال القضايا السياسية الداخلية موضوعة على بساط البحث، والتي تتطلب حلولاً عاجلة ما زالت عالقة ولا تتقدم بالشكل الذي تفرضه ضرورات التطور العام، وكذلك ضرورات تحصين الداخل لمواجهة ضغوط الخارج. وأهم الملفات المتعلقة بتطوير المناخ السياسي والحركة السياسية من خلال خلق مناخ ديمقراطي عام ضروري في حياة البلاد هي:
 أ- قانون الأحزاب والانتخابات.
ب- طريقة التعامل مع قانون الطوارئ.
ج- استمرار نتائج قانون الإحصاء الاستثنائي سيء الصيت في الجزيرة لعام 1962.

لقد أوضحنا مراراً موقفنا المبدئي من قانون الأحزاب المفترض. ونؤكد مجدداً: أن قانون الأحزاب يجب أن يُصاغ على أسس تساعد في تدعيم الكيان الوطني المستهدف في وحدته من قبل واضعي مخطط الشرق الأوسط الكبير، لذلك يجب ألا يسمح القانون بقيام أحزاب على أساس ديني أو طائفي، أما فيما يخص بنية الأحزاب التي سيشرعها القانون، فيجب أن تكون برامجها وأنظمتها الداخلية قائمة على أساس وطني شامل يطرح قضايا مجموع الوطن، ويضمن كذلك حق العضوية لأي مواطن سوري فيها بغض النظر عن منطقته أو محافظته. وأكدنا أيضاً أن قانون الأحزاب لن يستطيع تقديم المطلوب منه إذا لم يرافقه قانون انتخابات جديد يسمح بتنشيط الحركة السياسية، وذلك من خلال اعتماد النسبية واعتبار البلاد دائرة انتخابية واحدة، ومن هنا فإن قانون الأحزاب شرط ضروري لقوننة وتنشيط الحياة السياسية، ولكنه شرط غير كافٍ إذا لم يترافق بقانون انتخابات جديد يلغي الشكل القديم الذي استنفد نفسه.

كنا دائماً وما نزال مع رفع حالة الطوارئ وحصرها بالقضايا التي تهم الأمن الوطني فعلاً، وطالبنا بحصرها وتحديد فعلها مكانياً وزمانياً حين تتطلب الظروف ذلك، وألا تستخدم لتقييد الحركة السياسية، وخاصة تلك التي سيشرعها قانون الأحزاب.

ليس بخافٍ على أحد الآثار السلبية لنتائج قانون الإحصاء الاستثنائي وعدم الإخلال بحقوق المواطنة والمدنية في الجزيرة لعام 1962، وأبدينا ارتياحاً للتصريحات الرسمية حول إنهاء إعادة النظر بنتائجه، لكن تلك التصريحات لم تأخذ طريقها للتنفيذ مع ما يحمل ذلك من أضرار على قضية الوحدة الوطنية، ونرى أن حل قضية الإحصاء الاستثنائي وتأمين الحقوق الثقافية للمواطنين السوريين من القوميات الأخرى التي هي جزء من النسيج الوطني السوري تاريخياً (كالأكراد مثلاً)، سيخلق انفراجاً في جزءٍ هامٍ من المجتمع السوري الذي حاول وسيحاول أعداء الخارج استخدام التوترات الموجودة فيه ضد مصلحة البلاد ووحدتها الوطنية.

إن بقاء الأوضاع على حالها يثبت استمرارية مفاعيل الثنائية الوهمية (معارضة ـ نظام) والتي أكدت الأحداث خطورة استمرارها، فها هي بعض القوى التي كانت محسوبة على النظام تعلن انتقالها إلى صفوف المعارضة الخارجية، ليس فقط مكانياً وإنما برنامجياً. إن تحقيق الملف الديمقراطي على الأرض هو ضرورة وطنية، وإذا كان بعض الخارج يطالب به، فإنه يطالب بشكل ومضمون مختلفين لما يسميه (ديمقراطية) هدفها فعلاً تفكيك قوى المجتمع، في حين أن الديمقراطية الحقيقية هي مطلب وطني داخلي ضروري يحصن المجتمع ويحميه من الأخطار الخارجية والفساد الداخلي بالوقت ذاته، ومن هنا نؤكد أن تحقيق وتنفيذ المطالب الديمقراطية المعروفة لا يتم بانتظار التقادير، وليست هبة من أحد أو تنازلاً من طرف ما، بل هي ثمرة لتناسب ميزان القوى على الأرض، ونتيجة لتوازنات اجتماعية جديدة تكون محصلتها تحقيق هذا البرنامج. وبقدر ما نختلف مع أصحاب الذرائع القائلة: إن الوطن في خطر فلا يجوز الآن رفع مطالب ديمقراطية، نختلف بالقدر نفسه مع بعض القوى السياسية الوطنية التي ترى نفسها عاجزة عن تحقيق مطالبها، فتنكص باتجاه الروح الانتظارية المستندة على اعتماد عنصر الزمن وقلة الحيلة.
إن المدخل الحقيقي للإصلاحات الديمقراطية المنشودة هو: زيادة دور وفعل الجماهير الشعبية في الحياة السياسية والعملية الاقتصادية والاجتماعية داخل البلاد.

ثامناً: القضية الكردية وشعوب الشرق العظيم2

كنا وما نزال نرى، حسب وثائقنا، أن الترياق الشافي من ألاعيب الامبريالية الأمريكية باتجاه تفتيت المنطقة، هو: تآخي وتحالف وتضامن جميع شعوب الشرق العظيم، حيث يراد أن تستخدم بعضها ضد بعض، مستفيدة من الجرائم التاريخية التي سببها اتفاق سايكس بيكو، بحق كل شعوب المنطقة، فآلام ومآسي شعوب المنطقة، ليس سببها أي شعب من شعوبها، بل سببها العميق والحقيقي، هو: الإمبريالية العالمية منذ فجرها في أوائل القرن العشرين، والتي أرادت بتقسيماتها المصطنعة أن تضع الأساس، كما يتبين اليوم للتفجيرات اللاحقة، لأنه منذ ذلك الحين كانت تضع عينها على ثرواتها وموقعها الإستراتيجي.
وهنا نريد أن نلفت نظر بعض القيادات الكردية التي ما زالت تراهن على الولايات المتحدة الأمريكية أنها موضوعياً، ترتكب جريمة بحق الشعب الكردي، لن يغفرها لها التاريخ، فالحليف الحقيقي لأي شعب في المنطقة، وكذلك الدائم، هو: الشعوب الأخرى في المنطقة نفسها التي تربطها فيما بينها وحدة التاريخ والقيم والثقافة والمصير.
إن الإمبريالية الأمريكية تلعب بالقضية الكردية من فوق، وتحت الطاولة، وهي تريد عملياً استخدامها كصاعق لتفجير جزء هام من المنطقة، وعلينا كشيوعيين أن نمنع ذلك، وسلاحنا الوحيد هنا، هو: روح الأممية روح التآخي بين الشعوب، عبر احترام بعضها البعض في مجال حقوقها ومصالحها الحقيقية.

1: اقتباسات مأخوذة من التقرير المقدم للاجتماع الوطني السادس للجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، بتاريخ 11/آب/2006، ويمكن قراءة التقرير كاملاً في العدد 279

2: اقتباسات مأخوذة من التقرير المقدم للجلسة الثانية من المؤتمر الحادي عشر للشيوعيين السوريين- تيار قاسيون، بتاريخ 30/تشرين الثاني/2007، ويمكن قراءة التقرير كاملاً في العدد 334

 

آخر تعديل على الإثنين, 07 كانون2/يناير 2019 15:13