التسوية السورية (بغطاء دولي جديد)!
منذ أن أصبحت أزمة البقعة الجغرافية السورية، محط التركيز الدولي... أصبح تدويل الأزمة مترافقاً بالضرورة مع تدويل الحل، وخرجت المعطيات من دائرة الصراع الاجتماعي في سورية، وإمكانات التسوية بأبعاد داخلية فقط. فالسلاح وتمويله وغطاؤه الإقليمي والدولي، ومن ثم الإرهاب وتوسعه ومحاولته التمركز في سورية، وأزمة اللاجئين، ومليارات إعادة الإعمار، وغيرها من العوامل جعلت حل الأزمة السورية محط صراع دولي بين مشروعين دوليين، بواجهتين أساسيتين: أمريكا وروسيا. صراع متناقض في غايات أطرافه، وبالتالي حكماً في وسائل عمله.
فالأمريكان كمركز مأزوم اقتصادياً، رأوا في هشاشة الأرض السورية موطئاً لامتداد مشروع الفوضى، فدعموا الصراع المسلح، وأطلقوا أدوات الفاشية بداعش والنصرة وغيرها، ويسعون لمحاولة استخدام الورقة الكردية في آمال التقسيم، أو إدامة المعركة. ويمدون أدواتهم وأذرعهم المرئية وغير المرئية لاستمالة المتشددين هنا وهناك، والإيحاء لهم باستدامة الأزمة وإمكانية انتصار طرف على طرف في وقت ما!
أما المشروع الآخر بواجهته الروسية، عسكرياً ودبلوماسياً، وخلفيته الاقتصادية الجيواستراتيجية الصينية، هو مشروع دول الأطراف الصاعدة التي تريد أن تنتزع حقها في عالمٍ أكثر توازناً وخالٍ من الهيمنة الأمريكية العسكرية والمالية، كأداة نهب عالمية طوال عقود. المشروع الذي يتطلب بالضرورة وقف الفوضى، وتعميم نماذج جديدة لحل الأزمات الدولية، والذي كانت سورية منعطفاً في إطلاق تنفيذه.
ولذلك فإن القرار 2254 أتى تعبيراً عن نتائج صراع من هذا النوع، الوزن الأعلى فيه، لقوى العالم الجديد التي تريد الاستقرار. ليقول هذا القرار: أن حل هذه الأزمة، سيغير دور المجتمع الدولي: لتكون مهمته محاربة الإرهاب، وبالطرق الشرعية، والحفاظ على كيان الدولة، وتأمين حل المشكلة السورية حلاً يقوده السوريون، بينما المجتمع الدولي طرف مساعد ودافع للقوى السورية لتصل إلى نقاش دستورها، وإلى شكل حكمها الانتقالي وصولاً إلى الانتخابات.
الغرب الذي وافق على هذا القرار مرغماً، لا يريد تطبيقه، وتحديداً لا يريد تطبيق ما في روحه من معالم جديدة لحل الأزمات: تأمين أكبر قدر من استقلال القرار للأطراف المحلية وصياغتهم للحل. ولهذا فإنه يحاول أن ينسف اللجنة الدستورية عبر دفع الأمم المتحدة لتشكيلها وتعيينها.. أو عبر دفعها للإعلان عن فشل تشكيلها. والأهم: يحاول أن ينسف الإطارات الدولية الجديدة التي تسعى لتثبيت هذا النموذج، كما في أستانا وسوتشي.
يُلوّح الغرب «بإزالة الغطاء الدولي» عن تسوية الأزمة السورية، فهو يريد العمل بالمنطق القديم حيث المجتمع الدولي بقيادة الغرب يخلق الأزمات ويصيغ الحلول بالشكل الذي يضمن إدامة الفوضى... ولكن العالم تغير اليوم، وأصبح لدى قوى المجتمع الدولي الأخرى، مشروع جديد، وقوة لفرضه، وهو مشروع حل الأزمات حلاً مستداماً. أية حلول وتسويات سياسية ناجحة قائمة على التوافق والتشاور. ولأن للضرورة أحكاماً، فإن الضرورة تفرض انتصار المشاريع والقوى الجديدة والصاعدة، ما يعني: أن استمرار عرقلة الغرب للتسوية، لن يعني نسف التسوية بشكلها الجديد، بل قد يعني فقط، خروج الغرب من تسوية هذه الأزمة... الأمر الذي إذا ما حصل سيكون سابقة تسجل نهاية «عصر الغرب»، وفي مصلحة السوريين ومسار خروجهم من الأزمة.