حبل الأكاذيب (1)
تجتهد مجموعة من «المنظرين» - تضم سوريين وغير سوريين– من المحسوبين في عداد المعارضة، في حبك وتصنيع رؤية محددة للوضع السوري وللوضع الدولي والإقليمي بالضرورة، وظيفة تلك الرؤية هي تبرير السياسات والمواقف التعطيلية والمتشددة. نتعمد في وصف هؤلاء قولنا (المحسوبين في عداد المعارضة)، لأن الأمور إذ تقاس بنتائجها، فإنّ نتائج عمل هؤلاء صبّت دائماً وأبداً في مصلحة أقرانهم من متشددي النظام، إلى الحد الذي بات من الصعب عنده التفريق بين هذا وذاك...
ولذلك فإنّ الوقوف على بعض الأكاذيب الكبرى التي تتكون منها «الرؤية» المصطنعة والملفقة للمسألة السورية، والواردة في كتابات وتنظيرات «المنظرين» إياهم، تساعد في تأريض المواقف المتشددة، ليست تلك الآتية من طرف «المعارضة» فحسب، بل والآتية من طرف «النظام» أيضاً. قبل الولوج في تفاصيل الأكاذيب، لا بد من القول: إن المتابع لدورة إنتاج واستهلاك تلك الأكاذيب، ضمن الإعلام خاصة، وفي مختلف المحافل واللقاءات الدولية، لا بد له أن يلاحظ درجة العوز الكبير إلى أية فكرة جديدة يمكنها مساندة «الرواية المطلوبة» للوضع السوري، حتى إنّ أية فكرة جديدة، ومهما بلغت من الهزال وضعف المنطق، ما إن تقال حتى تصبح ترنيمة موحدة على لسان المتحدثين الرسميين وغير الرسميين، وفي مواضع يصح فيها قولها، وفي أحيان كثيرة في أي موضع كان وكيفما اتفق. «الثورة السورية بالأساس هي ثورة سلمية ولم تكن تسيطر على شبر واحد من الأرض، وكانت في عز قوتها» هذه الترنيمة بدأت بالظهور بشكل خجول بعد الغوطة، ومن ثم بكثافة بعد الجنوب السوري. ويجري استخدامها كَردٍّ على السؤال عن وضع المعارضة بعد خسارة السيطرة العسكرية على مناطق تواجدها، الواحدة تلو الأخرى. الطريف في المسألة: أنّ أصحاب هذا الرد أنفسهم، وطوال سبع سنوات، دافعوا عن خيار رفع السلاح، بل ودفعوا باتجاهه، وطافوا العالم بحثاً عن الدعم، ومن جهة الناتو بشكل خاص. ولأن من المستحيل عليهم أن يقولوا «كنا مخطئين، حمل السلاح كان خطأ وصب في مصلحة أعداء التغيير في الداخل والخارج»، هذا إن افترضنا أن المسألة مسألة وعي منخفض. يمكن سماع الرد السابق عشرات المرات يومياً، دون أن يتجرأ المرددون على قول الحقيقة ولو لمرة واحدة. ولكن لنكون منصفين، فإن معهم كل الحق في الامتناع عن قول الحقيقة، لأن قول جزءٍ منها كما هو فعلاً سيؤدي إلى تداعٍ لكامل منظومة الأكاذيب الملفقة ضمن «رؤية»... «كنا دائماً ضد التدخل الخارجي» قول الحقيقة بما يخص السلاح، يعني قولها أيضاً بما يخص طلب التدخل الخارجي؛ إذ أنّ تبرير حمل السلاح بأنه وسيلة إسقاط النظام، بما يعنيه من مجابهة بين قوة عسكرية مشتتة دون أية موارد، حتى لذخيرة السلاح الخفيف، مع قوة نظامية تمتلك كل صنوف الأسلحة، وفوق ذلك بغياب الإجماع الشعبي على خيار إسقاط النظام، إنّ ذلك يجعل من فكرة حمل السلاح لإسقاط النظام مجرد كذبة سخيفة ليس فيها ما يجعلها تصمد أمام أي انتقاد. وتالياً، فإنّ الاعتراف بأن حمل السلاح كان لإسقاط النظام، يعني ضمناً الاعتراف بأن حمل السلاح كان ضرورة لتدويل المسألة السورية، وإيجاد مبررات التدخل الخارجي، وهذا الأخير هو من سيسقط النظام...
وليس غريباً بالتالي، أن تظهر أسماء جمع من قبيل المطالبة بالحماية الدولية، وبالحظر الجوي (حتى قبل أن يستخدم الطيران في المعارك على الأرض)، وغيرها من الأسماء ذات المعنى نفسه.
لقراءة الجزء الثاني من المقال: حبل الأكاذيب (2)
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 890