2254 الطريق الإجباري الوحيد!
عادت إلى الواجهة، مع تقديم دي مستورا استقالته، الطروحات المعادية للقرار 2254؛ سواء تلك التي تأتي من طرف متشددين محسوبين على المعارضة، أو تلك الآتية من متشددين محسوبين على النظام.
أما الطرف الأول، فقد عاد يكرر نغمة الشروط المسبقة ويتبجح علناً أنّ كل ما يقوم به بخصوص العملية السياسية ليس إلا مراوغة، لأنه «متأكد أن النظام لن يدخل في العملية السياسية».
يستكمل هذا الطرف طرحه بأنه ينتظر الضغط الدولي ليس لدفع النظام لدخول العملية السياسية، بل لدفعه خارج المعادلة بأكملها، أي: لإسقاطه، وبيد الأمريكي «الذي عاد للتدخل النشط والقوي في الشأن السوري» حسب مزاعمهم، ورغباتهم. أي: أنّ هذا الطرف المنسجم كلياً مع الطرح الأمريكي، لم يتعامل بصدقٍ ولو ليوم واحد مع القرار 2254 الذي يقول بالتوافق بين الطرفين، لا بإسقاط أحد الطرفين للآخر.
الطرف الثاني، قرين الأول وسنده، والذي يتعامل بالعقلية نفسها في نهاية المطاف، عاد للقول إنّ عملية جنيف قد انتهت وتم إعلان فشلها باستقالة دي مستورا، ويذهب أبعد من ذلك، إلى حيث يريد الذهاب من الأساس، فيقول إنّ القرار 2254 قد بات من الماضي ولم يعد قابلاً للتطبيق، وبالتالي فإنّ الحل سيكون عبر «حوار داخلي» على غرار مؤتمر صحارى، الذي لم يثمر شيئاً ليس لقلة أهميته (وقد كان في وقته خطوة مهمة)، بل لأنّ توصياته لم يجر تنفيذها.
يلتقي الطرفان، كعادتهما، في انسجامهما، الواعي أو غير الواعي، مع الاتجاه الأمريكي؛ فما يريده الأمريكان وضوحاً هو إدامة الاشتباك أطول فترة ممكنة، ولذلك نراهم يشتغلون على تهيئة الأرضية لبقاء سورية موزعة على مناطق نفوذ (غير مؤقتة)، مع بقاء كل منطقة على حالها المتأزم والمنفصل عن بقية المناطق.
يلتقي الطرفان أيضاً، في انتمائهما إلى فضاء سياسي قديم لا يمكن له أن يستوعب أنّ للسوريين أصواتاً يجب أن تُسمَع، ويجب أن تُقرر مصيرها بنفسها؛ ما يعرفونه أنّ النخب هي من تقرر، هي من تتحاصص، والشعب أداة تلك المحاصصة وموضوعها، وليس إلا!
ما يعجز الطرفان عن فهمه، وربما ما يخشيان مواجهته، هو أن العصر الأمريكي بكل موبقاته إلى أفول، والعصر الجديد الذي يشكل 2254 أحد ملامحه الأولى والمهمة، هو عصر ستكون للشعوب فيه الكلمة العليا.
إنّ تنفيذ القرار 2254 الذي تم فرضه فرضاً من القوى الصاعدة، وبالضد من مصلحة وإرادة المجموعة الغربية، تحول مع اشتداد الصراع حوله مرات عديدة إلى تخوم حرب شاملة، إلى ممر إجباري، ليس بالنسبة لسورية باتجاه الحل فحسب، بل وبالنسبة للقوى الصاعدة نفسها باتجاه العالم الجديد، ولذلك فإنّ القرار ماضٍ باتجاه التنفيذ، وإنْ كان ذلك عبر صعوبات وعقبات عديدة.
ما ينبغي أنْ يعلمه المتشددون من كل الأطراف أنّ كل من يساهم في إعاقة تطبيق هذا القرار، يكون قد وضع نفسه بيده في صف قوى العالم القديم المتراجعة والآفلة، وعليه أن يتحمل تبعات ذلك، بمقابل أنّ من يدفع باتجاه تنفيذ هذا القرار، حتى وإن كان أعاق سابقاً، فإنّ هنالك بقية من أمل أن يكون له مكان في العالم الجديد!