الرّدع.. مسؤوليتنا
لم يتوقف العدوان الصهيوني يوماً عن محاولات التشويش على مسار التسوية السورية، فـ«إسرائيل» ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤهم في المنطقة، جميعهم مستفيدون بشكلٍ أو بآخر من استمرار الأزمة السورية.
أتت الغارات الإسرائيلية الأخيرة في ريف اللاذقية الغربي ضمن هذا السياق، فبملاحظة توقيت هذه الضربات نجد أنها حدثت مباشرةً بعد قمة سوتشي التي حصل فيها اتفاق روسي تركي على إقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب، وبالتالي فإن هذه الضربات ذات مضمون سياسي، وليس عسكري كما حاول العدو الصهيوني تصوير ذلك.
فكما تعودنا في مسلسل الأزمة السورية، دائماً ما تحدث ضربات معاكسة إثر حدوث أي تقدم في مسار الحل السياسي، فالضربات الأخيرة لم تستقصد مناطق بعينها بقدر ما كان المستهدف الأول، هو: مسار الحل الذي شهد انعطافة إيجابية في إدلب، وبالتالي، فالرسالة التي يحملها هذا العدوان سياسية هدفها من جهة هو التعبير بطريقة ما عن عدم الرضى عن هذا الاتفاق، ومحاولة تعطيل مسار التسوية السوري، ويعكس من جهة ثانية محاولة الأطراف الدولية التي لا تريد التسوية، استخدام الدور «الإسرائيلي» لإدخال الوضع في سورية في فخ التصعيد العسكري، وتحميل الطرف الروسي أعباء أكبر.
ولكن عدم الوقوع في هذا الفخ يتطلب من كل الأطراف الدولية الحريصة على استمرار عملية التسوية، ولا سيّما روسيا، الالتزام بهذه العملية ودفعها قدماً، وعدم الانجرار لصراعات عسكرية كبرى لا تأتي بشيء سوى مزيدٍ من التصعيد والتوتير، بالتالي مزيدٍ من التسويف لتهدئة الوضع في النقطة الأكثر توتراً حالياً، وهي سورية.
بالمقابل، فإنّ هذا الدور التوازني المطلوب من الأطراف الدولية من أجل عدم الوقوع في فخ التصعيد الصهيوني، لا يمكن أن يكون خارطة طريق يمكن السير بها في عملية صراع السوريين مع الصهاينة، فلا يمكن الاستعاضة بها عن ضرورة وجود قوة ردع سوريّة، قوة ردع لا تكتفي فقط بالرد أو التصدي لأي عدوان محتمل وحسب، بل تسعى للقيام بكل ما يلزم للرّدع، بما فيها خيارات الهجوم. ويمكننا الاستفادة من تجربة المقاومة في الجنوب اللبناني في هذا المجال، حيث تكمن أهمية هذه التجربة في أنها لم تكن بوارد الممانعة والدفاع فحسب، بل تعدّت ذلك لتلعب دور المقاومة بكل أبعاده: دفاعاً وهجوماً. وهذا ما ظهر جليّاً في حرب تموز عام 2006 وما بعدها.
بالعموم فإن هذه «البرعطة» العسكرية التي يقوم بها العدو الصهيوني ليست جديدة، فهي كسابقاتها لم تثمر عن شيء يذكر، فمسار الحل السياسي ما زال مستمراً، وكما ذكرنا مراراً فإن محاولات التعطيل أو التأخير هذه كلها ستبوء بالفشل في ظل موازين القوى العالمية الجديدة.
وبما أن هذه الضربات تستهدف في النهاية الحلول السياسية للأزمة السورية، فإن العمل على السير باتجاه الحل السياسي وتنفيذ القرار 2254 يعتبر بحدّ ذاته مواجهة لهذا العدوان، وبالمقابل ردع دوره التصعيدي، ومنع تكرار اعتداءاته على الأراضي السورية، يخدم أيضاً تسريع الوصول إلى الحل.
الدور «الإسرائيلي» في المنطقة اليوم أكثر هشاشة من أيّ وقتٍ مضى، بحكم تراجع حماته الأساسيين في الغرب، والولايات المتحدة تحديداً. وهذا ما يتيح الفرصة أمام القوى الوطنية السورية من أجل استغلال هذا الظرف الموضوعي، وتشكيل قوة ردع تكون كافية من أجل الحدّ من مخاطر الوجود الصهيوني في المنطقة.