عندما يفقد المأزوم صوابه!
حقق الاتفاق العسكري «الروسي– التركي» حول الوضع في إدلب، جملة أهداف دفعة واحدة، فهو من جهة، لجم جبهة النصرة الإرهابية، ومن جهة أخرى منع حدوث كارثة إنسانية للمدنيين، وعمق عمليات الفرز بين المسلحين، وبالتالي قطع هذا الاتفاق الطريق على محاولات قوى الحرب الغربية بخلط الأوراق من جديد في ظل التلويح بالتدخل العسكري، بذريعة مفترضة عن استخدام الكيماوي، مما يعني في المحصلة: مدّ الجهود الرامية إلى تشكيل اللجنة الدستورية بزخم جديد، فلم يبق لدى قوى الحرب سوى تدخل الكيان الصهيوني من جديد وقصف مواقع سورية.
إن الغارة العسكرية التي شنها طيران العدو الصهيوني على مواقع سورية، بتواطؤ وضوء أخضر غربي، وما تخللها من إسقاط الطائرة الروسية دليل على أن حلف الحرب فقد صوابه أمام هذا الاختراق الروسي الجديد، الذي تجسّد بالحل الإبداعي للوضع المتوتر في إدلب، كما كان حال هذا الحلف أمام أي احتمال بتقدم العملية السياسية في سورية.
لقد جاءت نتائج المغامرة «الإسرائيلية» بمثابة صفعة أخرى لقوى الحرب، فالرد الروسي الواضح والصريح بتحميل «إسرائيل» مسؤولية ما حدث، والتصريحات الصادرة عن المؤسسة العسكرية الروسية بهذا الخصوص، وتأكيد الرئيس فلاديمير بوتين عليها وضعت الكيان في موقف حرج، وشكّل بداية مرحلة جديدة لقواعد الاشتباك، عنوانها لجم العدوانية الصهيونية كما ستكشف قادمات الأيام.
لقد أدى النشاط الإعلامي والدبلوماسي والعسكري الروسي خلال الأسبوع الفائت إلى قلب الطاولة على رؤوس كل من حاول استغلال الوضع في إدلب لإفشال مسار أستانا، فالتنسيق الروسي التركي، وتوقيع الاتفاق الأمني الخاص بإدلب، وترحيب وزارة الخارجية السورية بالاتفاق، قادت الوضع إلى مسار معاكس تماماً لِما حاولت واشنطن وحلفاؤها الاشتغال عليه، ليكون ذلك تعزيزاً لتجربة مناطق خفض التصعيد، وتعميقاً للتفاهم الروسي التركي، الأمر الذي يقضّ مضاجع تلك القوى التي تحاول منع استكمال الاستدارة التركية، بما يعنيه ذلك على صعيد الصراع الدائر بين القوى الصاعدة في الشرق، وقوى الغرب المأزومة والمتراجعة.