سورية- فلسطين... وقلة الحيلة الأمريكية
ليلى نصر ليلى نصر

سورية- فلسطين... وقلة الحيلة الأمريكية

أصبحت الأزمة السورية إلى جانب القضية الفلسطينية في صفوف قضايا المنطقة- دولية الطابع. واللتان تعكسان دور القوى الدولية الصاعدة والمتراجعة فيها، كثيراً من المتغيرات الدولية. لتتحول مبادرات حلها، وأساليب تعقيد حلها إلى عاكس لوضع القوى الدولية الكبرى، وبالتالي لميزان القوى الدولي.

انتقلت مبادرات الحل، إلى طرف القوى الصاعدة، تتقدمها روسيا سياسياً بطبيعة الحال، عبر تركيزها الحالي على حل الأزمة السورية. مبادرات تدرجت من الدعوة لجنيف، وحتى الدخول العسكري ومحاربة الإرهاب، وصولاً إلى مراحل الحل السياسي، في الوصول إلى خارطة طريق للحل عبر مجلس الأمن والإجماع على القرار 2254، ثم في أستانا، وسوتشي، وحتى المبادرة الأخيرة المتعلقة بعودة اللاجئين، وفيما سيلي من خطوات متقدمة يقتضيها تجاوز العقبات التي توضع في طريق حل هذه المسألة الأكثر تعقيداً.

وبالمقابل، فإن الولايات المتحدة التي خسرت زمام المبادرة في الملف السوري، منذ أن وأد تغير ميزان القوى الدولي احتمال التدخل العسكري المباشر على سورية، وألغى السيناريو العراقي والليبي فيها... ومنذ أن اتضح أن التدخل غير المباشر - عبر تأجيج الصراع المسلح، وتغذية الإرهاب- أصبح محسوم الاتجاه، ولا يمكن أن يفضي إلى تقسيم سورية. وذلك بعد أن أصبحت القوة العسكرية الروسية على الأرض، وأصبحت (دولة داعش) في خبر كان... وكذلك ستصبح بقايا النصرة في إدلب.
فشل «مبادرة الفوضى» في سورية
توقفت مبادرات الفوضى الأمريكية في الأزمة السورية، وأصبح كل سلوكها مبنياً على سمت واحد: عرقلة الوصول إلى الحل، عبر عرقلة مبادرات الطرف الدولي الصاعد الذي تمثله روسيا على ساحة الأزمة السورية.
تناور الولايات المتحدة اليوم في سورية، في محاولات تعلم أميركا قبل غيرها أنها لن تغير المسار المرسوم بشكل كامل... فلا ذرائع الكيماوي والضربات اللاحقة بعده، استطاعت أن تغير من المبادرات الضرورية ميدانياً في مسار حل الأزمة السورية. حيث كانت الضرورة تقتضي إخراج المناطق السورية من دوامة الوجود العسكري، وإنهاء جيوب الإرهاب، وما انطبق سابقاً على حلب الشرقية، والغوطة الشرقية، والمنطقة الجنوبية، سينطبق على إدلب.
وكذلك الأمر في منطقة شرق الفرات، حيث الوجود العسكري الأمريكي والتمويل والتدريب القائم... ومع هذا فإن هذا ليس كافياً لتحقيق خطوات للأمام في مشروع الفوضى الأمريكي، وهو يجعل الوجود الأمريكي عبئاً دون فائدة، طالما أنه لا يمكن أن يؤدي إلى معركة أو تقسيم!
الأمريكيون وبعد أن فقدوا المبادرة في ظل تراجع وزنهم الدولي، وفي ظل انقسامهم العميق، يضطرون حالياً ليكونوا أصحاب رد فعل، وليسوا فاعلين... فهم يحاولون التركيز في المناورة على المبادرات وتأخيرها، وتحديداً في حل الأزمة السورية. حيث إن وصولها إلى حالة إنهاء الإرهاب، وحل سياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254 الذي دفعت إليه كل من روسيا والصين، يعني تثبيت نموذج لحل الأزمات الدولية.
نموذج حيث لم ينجح التدخل الخارجي، ولم ينجح التدخل غير المباشر، في الوصول إلى وضع «اللاعودة» وإنهاء وجود الدولة. وحيث تُحل الأزمة بقرار يتيح للسوريين تقرير مصيرهم، بشكل توافقي، وعبر مفاوضات، وبدستور جديد وصولاً إلى انتخابات. وكل هذا على الضد تماماً من مشروع الفوضى، ويؤدي إلى تسارع كبير في تغير موازين القوى...
لذلك فإن الولايات المتحدة تناور لتأخير حل الأزمة السورية، وتحاول أن تسرّع في تأمين ظروف في إطار القضية الثانية الأكثر تأثيراً في المنطقة، وهي القضية الفلسطينية.
وهناك تبادر الولايات المتحدة، ولكن أي نوع من المبادرات؟!
«المبادرة» الأمريكية
في القضية الفلسطينية
الإدارة الأمريكية الجديدة، أعلنت أنها لا تريد حل الدولتين... وبدأت تتحدث عن صفقة القرن، دون إعلان مكوناتها. ولكن السلوك يكشف أن المبادرة الأمريكية ليست مبادرة بل محاولة تثبيت أمر واقع متفجر في مسار الصراع الفلسطيني-«الإسرائيلي».
حيث الاعتراف بالدولة اليهودية، وبالقدس كعاصمة للكيان، والسعي إلى إنهاء حق العودة. وبالمقابل إبقاء الوضع في الضفة وغزة على ما هو عليه، ككتل منفصلة غير قادرة على تشكيل دولة، أو حتى سلطة مشتركة، والضغط على القيادات الفلسطينية من بوابة المساعدات والتمويل والأونروا، والدور الخليجي. وكل ما سبق لا يشكل مبادرة لحل، بل هو تسعير للوضع الفلسطيني، وإبقاء الدور الصهيوني كعامل موتّر في المنطقة، ليبقى استخدامه في الصراع الإقليمي... ومنع تحجيمه.
الولايات المتحدة ليست قادرة على إيقاف مسار حل الأزمة السورية حلاً سياسياً، ولكنها معنية بعرقلته أو تأخيره، لحين ضمان تأسيس وضع شديد التوتر على صعيد القضية الفلسطينية، ويصعب دخول المبادرات الدولية من الأطراف الأخرى إليه.
إذ إن حل الأزمة السورية وفق قرار مجلس الأمن، سيبني على صعيد القضية الفلسطينية رافعتين أساسيتين بالحد الأدنى، أولاً: ستكون القوى الدولية الصاعدة، وفي مقدمتها روسيا، هي الطرف الدولي المنتصر سياسياً والمبادر الدبلوماسي الأوسع تأثيراً في حل الأزمات. أما ثانياً فإن حل الأزمة السورية وفق قرار مجلس الأمن 2254 سيعيد للشرعية الدولية شرعيتها، وسيشكل نموذجاً للعلاقات الدولية، حيث إن القرارات الدولية تتخذ وتطبّق. وهو ما سينسحب على قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالصراع مع الكيان الصهيوني: 242 و338، و181 في عام 1947 وقبل النكبة. الأمر الذي يجعل الحماية الأمريكية للكيان دون أية جدوى (اقتصادية-سياسية).
وهذا عدا عمّا يحمله الأثر السياسي لنجاح الشعب السوري في تثبيت وحدة بلاده، وبناء نموذج لنظام سياسي يشترك الشعب في وجوده وقراره. الأثر الذي يستطيع الشعب الفلسطيني أن يشكل منه رافعة سياسية لتتويج عقود من النضال.

آخر تعديل على الإثنين, 03 أيلول/سبتمبر 2018 16:51