من السويداء وحتى 2254
شهدت محافظة السويداء اعتداءاً إرهابياً صادماً الأسبوع الماضي، ذهب ضحيته قرابة 234 شهيداً وأكثر من 200 جريح، وبعد الخروج من الصدمة وبعيداً عن التحليلات المعتمدة على الأقاويل... فإن الجريمة التي تصدى لها أهالي المدينة وريفها بتضامن وبسالة، يجب ربط توقيتها بالتسوية في عموم المنطقة الجنوبية، حيث خسر الإرهابيون، ومن خلفهم الكيان الصهيوني احتمالات التصعيد جنوباً. أتت هذه الأحداث كمحاولة يائسة في وجه مسار سيفضي إلى إنهاء وجود داعش في المنطقة، بل وانسحاب القوات الأمريكية من التنف، ولن نبالغ إذا قلنا أنه سيؤدي إلى وضع نهاية للاحتلال الصهيوني للجولان على جدول الاعمال، كحقّ سوريّ مدعوم دولياً في إطار الحل السياسي للأزمة السورية.
إن الجريمة في السويداء بمثابة «محاولة المأزوم» لتأخير خسائره باستخدام العنف، ووضع عرقلات في وجه مسار سياسي سيفضي بموازين القوى إلى إعادة المنطقة الجنوبية بكاملها حتى الجولان، إلى أهلها السوريين.
الحل السياسي للأزمة السورية يبدأ... وقد يكون حل الوضع في إدلب دليلاً على ذلك، والذي قد لا يتطلب عملاً عسكرياً كاملاً، بل هجيناً، ليشهد إنهاء فصائل الإرهاب المتمركزة هناك، بعمليات مركبة سياسية وعسكرية. أما فيما يخص المنطقة الشمالية الشرقية، فإن إنهاء الوضع مرهون بانسحاب القوات الأمريكية، وهو أمر ليس بعيد المنال. فسلوك الولايات المتحدة الانسحابي من الملف السوري أصبح واضحاً، وإجراءاته مسألة وقت لا أكثر، ومع هذا الانسحاب تتأمن ظروف أفضل لدفع المسار السياسي ومشاركة كل الأطراف السورية في الحلول السياسية الشاملة، التي يتم التجهيز لإطلاق خطواتها العملية: الإصلاح الدستوري، ومن ثم الانتخابات، وصولاً إلى تطبيق القرار الدولي 2254 كاملاً.
يجري تذليل كل الظروف المعرقلة للدخول في تفاصيل عملية التغيير الشامل في سورية: عودة المناطق السورية كافة لسيطرة الدولة، بما يضمن وحدة البلاد وترابط أراضيها، وعودة اللاجئين إلى مناطقهم المسار الذي بدأ العمل التفصيلي عليه بمبادرة روسية مع دول الإقليم، بما ينهي استخدام اللاجئين السوريين كورقة دولية. مروراً بمسار أستانة، لتنفيذ قرارات خفض التصعيد وصولاً للقضاء على الاٍرهاب، وأخيراً ما وازاه وتلاه في سوتشي للوصول إلى تشكيل لجنة دستورية سورية -سورية تعمل بإشراف دولي، بما يجعل كل الأطراف شريكة في خطوات الحل السياسي السوري، وبالتالي ملتزمة بمخرجاته.
إن مسار الحل السياسي للأزمة السورية بدأ بإزالة تدريجية وصعبة لكل العرقلات... وقد أصبحنا في مراحل متقدمة بعد أن نجحت موازين القوى عالمياً، في إخضاع قوى العنف الدولية للأمر الواقع، وتحويل ممانعتها إلى حدود محاولات يائسة ومتطرفة هنا وهناك. ولكن لا زال شق الطريق مستمراً حتى الوصول إلى التغيير الجذري والشامل الذي ستفتح أبوابه مع تطبيق القرار 2254، كخارطة طريق تضمن للسوريين وحدة بلادهم، وتعيد لهم قدرتهم السياسية الضرورية للدفاع عن حقوقهم وكرامتهم وتشكيل نموذج لإعادة بناء البلاد بما لا يسمح بخلق ظروف الفوضى مجدداً.