الحل السياسي وقعقعة السلاح
تصاعدت في الآونة الأخيرة التصريحات النارية التي أطلقتها قوى العدوان الأمريكي والفرنسي مهددةً بتوجيه ضربة عسكرية للجيش السوري بذريعة «استخدام» الأخير للسلاح الكيميائي، الذي لم يثبت حصوله حتى من قبل مطلقي تلك الاتهامات، والتي يراد منها إيجاد الذرائع التي تخولهم من التهديد بالضربات العسكرية المباشرة
، والمقصود بها الحلول السياسية، التي أخذت تشق طريقها بالرغم من آلة الحرب، التي تعمل على الجبهات المختلفة، والتي تُسعرها الدول التي لها مصلحة مباشرة في تقويض خطوات الحل السياسي، والإبقاء على الفوضى وبؤر التوتر، وإدامة الاشتباك يساعدهم ويتماهى مع هذه المواقف القوى المتشددة التي ترى في التصعيد الأمريكي خشبة الخلاص من مأزقها السياسي الذي أوقعت نفسها به، جراء عدم قدرتها السياسية في الذهاب نحو الحل السياسي، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة، وفي مقدمتها القرار 2254 بالرغم من تأكيدها اللفظي على تبنيه والعمل وفقه، وحتى هذا التبني يتناقض مع دعواتهم الأخيرة بضرورة أن يذهب مجلس الأمن إلى اتخاذ قرار على أساس البند السابع، من أجل حماية المدنيين في الغوطة الشرقية، أو أن تتخذ بعض الدول قراراً من خارج مجلس الأمن من أجل توجيه ضربة عسكرية للجيش السوري، كردٍ على المعارك الجارية في الغوطة الشرقية، وهم بهذا الموقف يستدعون العدوان الخارجي من أجل مساعدتهم على «حماية» المدنيين مع العلم أن هذا العدوان الذي تستقوي به معارضة الرياض، هو الذي قتل المئات من المدنيين في الرقة ودير الزور وغيرها من المناطق السورية ولم تخرج عنهم أية إدانة لهذا العدوان على أبناء شعبنا في تلك المناطق وآخرها العدوان التركي على منطقة عفرين.
إن العدو الأمريكي المأزوم في بنيته، وبالتالي المأزوم في اتخاذ قراراته التي تتوافق مع القانون الدولي في حل الأزمات، يجد في لغة الحرب التي يطلقها مخرجاً له ليؤكد على أن دوره ووجوده في منطقتنا مازال مؤثراً وفاعلاً، وأن أدواته العسكرية والسياسية ما زالت صالحة للقيام بمهماتها التي تخدم مشروعه، وآخرها المناورات العسكرية الواسعة بين جيش العدو الصهيوني والعدو الأمريكي، التي جرى فيها اختبار واسع لقدرات الجيش الصهيوني على القيام بعملياته الردعية، ومن خلال تلك المناورات أراد الأمريكان توجيه رسائل مباشرة للروس بأنهم جاهزون للاشتباك، وعلى الروس تغيير موقفهم. ولكن الرد الروسي جاء صاعقاً من خلال ما طرحه الرئيس الروسي بوتين في خطابه حول منظومة السلاح الروسي، وقدراتها القتالية والتدميرية المتطورة وكذلك الرسالة التي وجهها وزير الدفاع الروسي: بأن روسيا ستدمر منصات الصواريخ المنطلقة بالإضافة إلى تدمير الصواريخ نفسها بحال نفذ الأمريكان تهديدهم بضرب دمشق أو أي من حلفاء الروس.
إن الحل السياسي سيشق طريقه بالرغم من قعقعة السلاح هنا أو هناك، وموازين القوى التي تغيرت سترغم الأمريكان وأدواتهم على الذهاب نحو الحل السياسي، الذي سيؤمن وحدة سورية أرضاً وشعباً، وسيدفع نحو التغيير الديمقراطي والجذري، الذي سيمكن الشعب السوري بمكوناته السياسية والاجتماعية كلها من سلطته الحقيقية.