عفرين .. حتى لا يكون القادم أخطر

عفرين .. حتى لا يكون القادم أخطر

رغم أن قوات الاحتلال التركي، باتت على أبواب عفرين، لا بل تشير بعض التقارير الإعلامية إلى سيطرتها على وسط المدينة، إلا أننا لا نظن بأن المعركة انتهت، أو أن العدوان التركي قد حقق غاياته، رغم الخسائر الكبرى في الأرواح والممتلكات، التي تتوجت بعمليات النزوح الجماعي، واحتمال حدوث كارثة إنسانية ما لم يتم استدراك الموقف.

هذه النهاية الدراماتيكية، لا تعني الاستكانة، والانسياق وراء الشحنات العاطفية– والانفعالات وتفريغها في غير موضعها المطلوب، وتوظيفها لتوجيه الرأي العام، إلى مسارات خاطئة تؤدي إلى الدخول في مآزق جديدة، بل إن الموقف يستدعي التأمل واستخلاص العبر الضرورية، لخروج سورية عموماً، ووحدات الحماية وأبناء عفرين بشكل خاص، بأقل الخسائر، لا سيما وأن أركان دولة الاحتلال التركي، تهدد علناً بأن المعركة لن تقف في عفرين:
الحذر من توظيف هذه الكارثة أمريكياً، لإيجاد موطئ قدم لها في عفرين، وتعزيز وجودها العسكري في الشمال السوري عموماً، فلطالما لجأت الولايات المتحدة إلى عمليات الهندسة الاجتماعية، لتحقيق أهدافٍ جيوسياسية، فمن الواضح أن التعاطي الأمريكي مع هذه المسألة ومنذ معركة عين العرب، يقوم على تحويل الشمال السوري، والمسألة الكردية في سورية إلى ساحة للتجاذب الإقليمي، والدولي، لتوريط بعض القوى، وابتزاز بعضها الآخر، خصوصاً مع الإشارات الضمنية في تصريحات المسؤولين الأتراك، بتقاسم النفوذ مع الولايات المتحدة في أماكن وجودها العسكري.
إن مراجعةً عقلانيةً ومسؤولةً، تتطلب إعادة المسألة إلى موقعها الطبيعي، أي: التعاطي مع المسألة باعتبارها جزءاً من المسألة السورية، فمثل هذا الموقف من شأنه أن يضع الجميع أمام مسؤولياته التاريخية، بمن فيهم الحليف الروسي، والنظام، والدول الضامنة، في العمل على إيجاد حلٍ سريع، من شأنه أن يلجم العدوان التركي، ويسرع بخروجه من الأراضي السورية، والأهم أنه يمنع الولايات المتحدة من اللعب على الحبال، والاستفادة من الظرف الناشئ لضرب الكل بالكل، إن التأكيد الدائم على أن المسألة هي مسألة وطنية سورية، لا ينفي خصوصيتها الكردية، بل يعززها ويحميها، ويوجهها في الاتجاه الصحيح، وبالإضافة إلى ذلك، فإن التعاطي وفق البعد الوطني السوري مع المسألة، يستوجب من القوى النافذة في الشمال السوري، وبالدرجة الأولى تيار الإدارة الذاتية ببناها السياسية والعسكرية كلها، الانخراط في العملية السياسية الجارية، باعتبارها الطريق الوحيد لبناء سورية الجديدة، سورية ديمقراطية، مستقلة وموحدة، تضمن حقوق أبنائها كلهم، بما فيه إيجاد إطار وطني ديمقراطي، متوافق عليه.
أما بناء استراتيجيات خاصة، خارج سياقات التوافق الدولي، وخصوصاً القرار 2254والدخول في متاهة الصراع الدولي والإقليمي، وأوهام الاستفادة من التناقضات، فإن نتيجتها الوحيدة، استدامة مأساة عفرين وتمددها، ومن شأنها التفريط بزيادة الوزن النوعي للمسألة الكردية، وتضحيات أبطال وبطلات الكرد في عفرين وغيرها، ضد الإرهاب، وضد العدوان التركي، وتوظيفها لصالح الغير.