د. قدري جميل: حذرنا... لا يمكن الثقة بالأمريكان!
أجرى موقع الوقت الالكتروني مقابلة بتاريخ 25-2-2018، مع أمين مجلس حزب الإرادة الشعبية، ورئيس منصة موسكو، تركزت حول الأحداث السياسية الأخيرة، والاعتداء التركي على عفرين والمقدمات السابقة للأزمة، ننشر مضمون الحوار من محاور أسئلة وإجابات...
زيارة وفد الائتلاف المعارض برئاسة رياض سيف إلى منطقة عفرين، ودعم عمليات (غصن الزيتون) ألا تعتبر المسمار الأخير في نعش المفاوضات السورية، والرجوع إلى نقطة الصفر؟
إذا تحدثت عن المسامير فهي كثيرة، لكن المهم اليوم الخروج من الأزمة السورية، وليس إصدار بيانات ومواقف حول هذا التفصيل، أو ذاك.
الأزمة السورية التي يحكم حلها هو القرار (2254)، ونحن أصلاً ضد تحوّل هيئة المفاوضات إلى كيان سياسي، عمله الوحيد إصدار بيانات كل يوم، وإحداث ردود أفعال، هذا أولاً. أما ثانياً: لا بد من التركيز على المفاوضات، لأن الهيئة بالأساس اسمها هيئة مفاوضات، لذلك فإن الائتلاف ككيان سياسي هو حر، إذا قام بأخذ موقف، لكن هذا الموقف غير ملزم لهيئة المفاوضات، هيئة المفاوضات لعلمكم توجد فيها ستة مكونات: منصة موسكو، منصة القاهرة، الائتلاف، هيئة تنسيق إلخ، لذلك نحن ننتقد سلوك هيئة المفاوضات اليوم؛ لأنها تعمل كثيراً على القضايا السياسية العامة، التي لها علاقة بالأزمة السورية بشكل غير مباشر، أو مباشر، ولكن ليس لها علاقة مباشرة بالمفاوضات، نحن نعالج هذا الموضوع من هذه الزاوية، ونحدد موقفنا.
معاون وزير الخارجية السوري صرّح بأن الحكومة السورية غير مُلزمة بأية لجنة تشكّل في سوتشي لتعديل الدستور، والتي قاطعها الكثيرون من قوى المعارضة الداخلية والخارجية، ألا يفقد كل هذا شرعية مؤتمر سوتشي، وما تم الوصول إليه من مقررات؟
أنا معلوماتي كعضو رئاسة في مؤتمر سوتشي، أن البيان الختامي قد جرى التصويت عليه بالإجماع، واعتُمد من قبل الأمم المتحدة، ونقلت نسخته الرسمية إلى مجلس الأمن من (الجانب الروسي). وفي هذا البيان الختامي المقرّ بالإجماع في آخر جلسة للمؤتمر، وفي آخر تصويت للمؤتمر، تمّ تشكيل لجنة للعمل على الإصلاح الدستوري تحت إشراف المبعوث الخاص للأمم المتحدة (ديمستورا)، وجرى في هذا اللقاء التصويت عملياً على القوائم (المئة زائد الخمسين)، والتي سُلّمت للأمم المتحدة كي يُجرى من خلالها انتقاء اللجنة الدستورية. لذلك لا أعلم ما الذي قصده تماماً معاون وزير الخارجية السوري في تصريحه الذي أثار ضجة، ولكن ربما كان قصده أن يقول: إن اللجنة إذا تشكلت من خارج هذا الإطار فهي غير شرعية، هذه اللجنة هي سورية 100%، وجرى اختيارها عملياً من السوريين الـ (150 شخص)، الذين سيُجرى انتقاء قسم منهم لعضوية لجنة الدستور.
بعدما قرأْتُ البيان الختامي لمؤتمر سوتشي، لم يكن هناك ذكر لأي دور كردي في القرارات المنبعثة عن سوتشي، مع العلم أنها تسيطر على ما يزيد 30% من الجغرافية السورية، كيف تفسرون ذلك؟
بيان سوتشي عملياً هو البنود 12 التي اقترحها ديمستورا كمبادئ للعملية الدستورية، والتي تتحدث عن سيادة سورية، ووحدة أراضيها، وحقوق شعبها في العيش بكرامة، وهذا ضمناً يضمن حقوق المكونات جميعها. هذه القضايا تُبحث بالتفصيل، حين يتم بحث الدستور نفسه، أما المبادئ العليا التي يُصاغ على أساسها الدستور، والمتمثلة بالمبادئ الـ12، فهي تبقى مبادئ عامة جداً، لذلك لا أعتقد أنه يجب التخوّف من هذا الموضوع، والمطالبة بأن يُشار إلى الكرد في كل مجال وحادثة. التخوّف يكمن في التفاصيل هنا وليس في المبادئ الدستورية العامة. لذلك المطلوب برأينا أن تكون كل المكونات السورية، بما فيها الكردية حاضرة في لجنة الإصلاح الدستوري كي تعبّر عن رأيها، وكي يجري النقاش فيما بينها من أجل الوصول إلى توافقات تؤمن حقوق الجميع أفراداً وجماعات، وتؤمن بهذا الشكل وحدة سورية أرضاً وشعباً.
كونك موجوداً في موسكو، ورئيس منصة موسكو، كيف تنظر إلى الصمت من قبل الحكومة السورية، وفتح المجال الجوي من قبل روسيا للعدوان التركي على عفرين؟
الحكومة السورية يجب أن تتحدث عن نفسها، والحكومة الروسية أيضاً، أنا مراقب وأرى الأمور بالشكل التالي: إن الحل السياسي الشامل هو الضمان لحل كل هذه الإشكالات بتقاطعاتها المختلفة، جنوباً وشمالاً، لذلك المطلوب اليوم ليس زيادة تعقيد الأزمة السورية، المطلوب اليوم حلها من هذه الزاوية. نحن ضد أي تدخل خارجي في الشؤون السورية، ومن هنا اعتبرنا أن التدخل التركي عدواناً، يجب تحديد موقف واضح من هذا العدوان؛ لأن السيادة السورية انتهكت في ظل فقدانها (طولاً وعرضاً)، وأصبح من السهل عملياً الاعتداء عليها في كل مكان، والحل الوحيد برأينا، هو: استعادة هذه السيادة، وهذا الأمر مستحيل أن يتمّ دون عملية سياسية شاملة تعيد السلطة إلى الشعب السوري، وتسمح بالتالي لهذه الدولة السورية المنبثقة عن إرادة الشعب السوري، أن تمارس سيادتها بشكل كامل. من هنا أعتقد أنه إذا أردنا أن نجزّئ القضية السورية لـ عفرين وحوران والقامشلي، لن نصل لأي حل، الحل السياسي الشامل هو الذي يؤمّن حقوق الجميع، ويؤمّن السيادة الوطنية.
نحن في جبهة التغيير والتحرير، ومنصة موسكو، وحزب الإرادة الشعبية، نأخذ موقفاً مبدئياً وواضحاً، ولكن موقفنا المبدئي والواضح سيكون على أساس النقاط التي تحدّثت بها آنفاً. لا لأي تدخل عسكري خارجي بالشؤون السورية، في هذه الحالة أقصد التدخل التركي، نعم لوحدة الأراضي السورية وسيادتها، نعم للحوار السياسي الشامل عبر جنيف لتنفيذ 2254، والذي وضع سوتشي أساساً جديّاً له في الفترة الأخيرة من أجل الوصول إلى حل للأزمة السورية.
فيما يخصّ عدم دخول القوات السورية في بادئ الأمر، إلى عفرين، ودخولها متأخرة، والتي أطلقوا عليها القوات الشعبية، أنا أعتقد أن هذا السؤال يجب أن يوجّه إلى الأخوة الأكراد في الـ (YPG)، الذين رفضوا هذا الأمر في البداية، والآن وافقوا عليه، وهناك مثل يقول: (أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً) وأعتقد أن هذه القضية يجب حلها عبر الحوار الأخوي بين كل المكونات السورية، لأننا مهددون جميعاً بالمصير نفسه.
ما رأيك بالمشروع الفيدرالي الذي يطرحه الأكراد ويطالبون به؟
حددنا موقفنا باكراً، ومنذ اللحظة الأولى، قلنا: إننا نتفهم مخاوف الذين يطرحون الفيدرالية من سلطة المركز المبالغ بها، ولكن رأينا أن قضية من هذا النوع تبحث من خلال النقاش حول الإصلاح الدستوري، ويمكن الوصول إلى توافقات بهذا الشأن، ولا يمكن لطرف واحد أن يحل هذه القضية لوحده فقط. نحن سوريون، ونعيش في بلد واحد، وعلينا إيجاد قواسم مشتركة فيما بيننا. فيما يخصّ فكرة الفيدرالية نفسها، نحن برأينا أنها واسعة كثيراً على سورية، وسورية لا تتحمّلها، ولكن الجوهر هو بالصلاحيات الواسعة للمناطق التي يجب بحثها بشكل جدّي، وأعتقد أن تجربة الإدارة الذاتية في الجزيرة فيها جوانب إيجابية كثيرة، يجب الاستفادة منها، وتثبيتها، وتطبيقها ليس فقط في الجزيرة، وإنما في كل مناطق سورية.
لِمَ لمْ تحاولوا فتح مشاريع عمل مع الإدارة الذاتية، كونها هي أيضاً جزء من المجتمع السوري؟
الإدارة الذاتية إذا أردت الحقيقة هي جزء من منصة موسكو؛ لأنها شاركت في موسكو(1)، وموسكو(2)، بكامل قوامها، لكن الفيتو التركي الأميركي على مشاركتهم في جنيف منعهم من الالتحاق بمنصة موسكو، وحالياً في الوفد الواحد نقول الواحد، وليس الموحد، لذلك علاقتنا معهم موجودة ومستمرة، والنقاش بيننا دائم، مثل كل الأخوة الذين يتناقشون، نتفق في قضايا، ونختلف في أخرى، وهذا طبيعي في الظروف السورية المعقدة.
كيف تقرؤون الانسحاب الأميركي من دعم الأكراد الآن، وكأنه يقوم بالتملّص والتهرّب من بعض التعهدات التي قدمها سابقاً لهم؟
لقد نظرنا سابقاً، وننظر الآن، لقد حذرنا منذ اللحظة الأولى، وقلنا إن الأمريكيين لا يمكن الثقة بهم، هم يعِدون ويورطون وينسحبون، وهذه هي أعمالهم، وهذا دأبهم دائماً، هكذا فعلوا في العراق، والآن يفعلونه في سورية، ونحن تنبأنا بسلوكهم سابقاً، وقلنا للأخوة الأكراد في الـ (PYd) إنه لا يجوز الثقة بالأمريكيين؛ لأنهم منافقون، فهم ومنذ اللحظة الأولى كانوا يدعمون الـ (PYd) عسكرياً، ويعارضونهم سياسياً في جنيف، بالله عليك ماذا يعني ذلك؟! ألا يعني هذا سلوكاً منافقاً؟! وأنهم يخفون مآربهم الخاصة التي يسعون إليها عنهم، ويتظاهرون بالاتفاق معهم. الأمريكيون سياستهم في المنطقة تستند على فكرة الفوضى الخلاقة، والتي جوهرها اصطدام الجميع مع الجميع.
الأكراد الآن في المنطقة، وكأن الأمريكيين حاولوا أن يورطوا الروس بما جرى في عفرين، فالحالة الاجتماعية، والشارع الكردي يخوّن الجانب الروسي، ويرى أنه تخلى عن عفرين، باعتبارها كانت متوافقة أكثر مع الروس، ويقولون: إن الروس هم الذين يتحملون نتائج المجريات التي تحدث في عفرين؟
أنا أعتقد أن الروس لديهم لسان يدافعون به عن أنفسهم، ولكن أنا أرى أن الموقف الروسي كان يسعى إلى عدم التصعيد، وتخفيف الخسائر البشرية قدر الإمكان، ولكن عندما لا يُسمع النصح الروسي من قبل أحد من الأطراف المعنية في الأزمة في عفرين، أعتقد أن الأمر يسقط من يد الروس؛ فهم ليسوا خارقي القدرة، وقادرين على كل شيء، هم باستطاعتهم أن ينصحوا الـ (YPG)، والـ (PYd)، وينصحوا النظام السوري، وينصحوا الأتراك، ولكنهم لا يستطيعون فرض شيء على أي أحد، إذا لم تتكون القناعة لديهم بذلك.
أنا أعتقد عوضاً عن تحميل الروس المسؤولية دعنا نبحث عن مسؤولية الأمريكيين في التوريط، فهم فعلوا بنا كما تقول الأغنية المعروفة: «وصلونا لنص البير وقطعوا الحبل فينا» دفعوا الأكراد إلى التهلكة، وعندما بدأ الجد انسحبوا نهائياً.
لماذا إذاً توجّب على البعض أن يثق بالأمريكيين، ويسمع نصائحهم، وينفّذ ما طلبوه منهم. ألا يتحمل هو أيضاً المسؤولية في ذلك؟! ولماذا يتم تحميل الروس مسؤولية من صدّق الأمريكيين؟
ماذا تقول في الختام؟
إنّ تجربة الإدارة الذاتية في الجزيرة تجربة رائدة، يجب الاستفادة منها، ولكن بآن واحد، يجب عدم المبالغة بها، واعتبارها نهاية المطاف، وتأسيس فكرة الفيدرالية عليها، هذا سيكون خطأً جسيماً؛ لأن هذا الموضوع سابق لأوانه، هناك جملة مشهورة تقول: «كم من جملة ثورية قتلت الثورة»، الجملة الثورية عندما تكون في غير زمانها تجهض العمل الثوري، أنا أعتقد أن حجر الفيدرالية كبير اليوم بالنسبة للقوى التي تطمح إلى حمله. دعنا نتحدث عن الإدارة الذاتية الواسعة في كل المناطق المحرومة تاريخياً في سورية، كي نحميها من سلطة المركز المبالغ بها تاريخياً، ونؤسس دستورنا على هذا الأساس، أي: أن نجد العلاقة المتوازنة بالخلطة السحرية بين اللامركزية والمركزية في ظروف سورية الجديدة، هذا الموضوع يجب النقاش فيه بين كل الأخوة السوريين المتآخين، الذين ناضلوا خلال عشرات السنين قبل الاستقلال، وبعده، جنباً إلى جنب ضد مشاريع الاستعمار كلها.