ست حقائق عن عفرين

ست حقائق عن عفرين

أولا: التدخل التركي في عفرين هو محاولة تركية لتوسيع نفوذها في الميدان السوري، مستغلةً الهوامش المتوفرة لها بحكم الصراع الدولي المتفاقم بين الكبار، والجغرافيا السياسية، ودرجة التعقيد العالية، ومستوى المفارقات والتناقضات، والتشابكات الدولية والإقليمية والمحلية في الوضع السوري الراهن، وكل ما عدا ذلك، وخصوصاً التباكي على وحدة سورية، ومحاربة «الإرهاب» ليست إلا ذرائع وحججاً واهية وساقطة.

ثانياً: خريطة القوى في معارك عفرين وما حولها: « الجيش الحر- الجيش التركي- قوات سورية الديمقراطية..» هذه القوى جميعها تعود تمويلاً وتدريباً ورعاية إلى الولايات المتحدة، في ترجمة ملموسة لسياسة «الاحتواء المركب» الأمريكية، وإذا كان احتواء هذه التناقضات ممكناً خلال العقود السابقة، فإن زمن الاحتواء المركب قد انتهى بحكم انتهاء الاستفراد الأمريكي بالقرار الدولي، وستضطر واشنطن مكرهة إلى التخلي عن طرف ما ...؟!
ثالثاً: ارتبط السبب المباشر للهجوم التركي بالإعلان الأمريكي عن تشكيل قوة عسكرية جديدة، لحماية الحدود «أية حدود..؟»، حيث أعلن العقيد ريان دالون، المتحدّث باسم التحالف الأمريكي للقَضاء على «داعش»: أن بلاده بصدد تشكيل جيش قَوامه 30 ألف جندي عديده الأساسي من قوات سورية الديمقراطيّة، التي تُشكّل وحدات حماية الشعب الكردية عموده الفَقري، فإذا أخذنا بعين الاعتبار الإشارات التي تحملها وظيفة هذا التشكيل العسكري الجديد، والانعكاسات المفترضة لذلك على تركية، يمكن ببساطة توقع رد الفعل التركي، بمعنى آخر، إن من وفر «المبرر» لتركية هو الطرف الأمريكي بامتياز، وإذا كان من أحد قد جدد شهية الذئب التركي لينهش بعفرين، وتنفيذ تهديداته - وهذه التهديدات ليست جديدة كما هو معروف - فهو التوقيت المريب لإعلان تشكيل «الجيش الجديد» أي توقيت الاستفزاز الأمريكي لتركية، واستدراجها إلى هذا التدخل، حيث يسبق انعقاد مؤتمر سوتشي للحوار الوطني، وجولة جنيف المقبلة واحتمال تقدم ملموس في سياق العملية السياسية، بعد تساقط حجج وذرائع أطراف الصراع المختلفة تباعاً، وبالتالي، فإن القصد من هذا التوقيت هو: توتير جديد للعلاقات الروسية – التركية، مما يعني: إفشال جهود الطرف الروسي الرامية إلى زج تركيا جدّياً في عملية الحل السياسي، وهو الطرف الذي كان حريصاً دائماً، على مشاركة القوى الإقليمية كلها وتوابعها من السوريين، في كل من سوتشي وجنيف وأستانا، انطلاقاً من الحرص على الحل السياسي، وضمان نجاحه، وتنفيذ القرار 2254 الذي لا يمكن الوصول إليه دون مشاركة تركيا وأتباعها، والذي يعني في النتيجة انسحاب القوات الأجنبية كلها.
رابعاً: ترك انسحاب القوة العسكرية الروسية المفاجىء من عفرين، إشارات استفهام وتساؤلات كثيرة، وقد تبدو هذه التساؤلات مشروعة من زاوية ما، ولكن، وفي الوقت نفسه من ضروب الخبل السياسي، دعوة روسيا إلى التعاطي مع الشأن السوري من زاوية أخلاقية مجردة وجزئية، أو حتى من زاوية سياسية تخص جبهة واحدة من جبهات الصراع المتعددة، فمن الطبيعي أن تكون لروسيا نظرة استراتيجية إلى مستقبل العلاقات الدولية، وتوازن القوى الجديد، وأن تسعى إلى إخراج الدولة التركية من بوتقة حلف الأطلسي، وأن يكون ذلك في رأس أولوياتها، وأن روسيا قد تختلف في هذه النظرة في بعض التفاصيل والأدوات عن نظرة ومصالح بعض القوى بشكل مؤقت، ولكنها في المحصلة ستقود حكماً، إلى ذلك المناخ الذي يمكّن دول وشعوب المنطقة جميعها، من حقها في تقرير مصيرها، على أساس الاعتراف بالمصالح المتبادلة، فالصراع حول الملف الكردي هو جزء من الصراع، وليس الصراع كله، وليس ذنب الطرف الروسي، أن «وهم القوة» دفع البعض في قوات الحماية إلى مغامرات غير محسوبة النتائج، ويكاد أن يضحي بـزيادة الوزن النوعي للمسألة الكردية، بعد الملاحم التي قام بها أبطال وبطلات قوات الحماية ضد داعش.
خامساً: الطرف الروسي لم يَعِدُ أحداً بشيء خارج القانون الدولي، لا بالفدراليات بقرار أحادي، ولا بتشكيل الجيوش، ولا برسم حدود، ولا بالدخول في حربٍ بدلاً عنهم، ولم يورط أحداً بدعمٍ أحادي الجانب على حساب الأطراف الأخرى، حتى يوهمه ويدفعه إلى رفع شعارات تفوق طاقته، وكل المشروع الروسي في سورية هو: محاربة داعش، والجماعات الإرهابية الموصوفة دولياً، والوصول إلى الحل السياسي التوافقي، وهو ما فعلته وتفعله بالملموس، حتى فرضته خياراً على القوى كلها، وهو يبذل الجهود مع القوى كلها حتى تجلس إلى طاولة الحوار، لحل القضايا المستجدة، والقضايا المعلقة بتاريخ المنطقة ومنها: القضية الكردية، وعليه فإن الحملة الدعائية الواسعة ضد الدور الروسي، من قبل البعض في تيار الإدارة الذاتية، ليست ظالمة فقط، وليست مجرد التباسٍ وسوء تقدير، بل موجهة مباشرة إلى الضد من المصالح الكردية، على الأقل بدلالة الصمت «صمت القبور» عن الدور الأمريكي المفضوح، الذي دفع الكرد من مأزق إلى مأزق، منذ عقود، وآخرها تجربة استفتاء إقليم كردستان.
وإذا كان هناك قوة ساهمت جدياً في إضعاف الخطر التركي على سورية عموماً، ومنها عفرين فهو الطرف الروسي بامتياز، فهو وليس أحداً غيره، من قلم أظافر القوى المسلحة التابعة لتركيا في الميدان السوري، فأبيد من كابر واستكبر، والتحق بركب الحل السياسي من التحق، والجانب الروسي هو الذي أعاد الوزن التركي في الأزمة السورية إلى حجمه الطبيعي، وهو الذي لجم المحاولات التركية بفرض مناطق آمنة في الشمال السوري، وهو الطرف الدولي الوحيد الذي واجه التركي، حتى أتى الأخير صاغراً معتذراً، وهو الذي أصرّ وما زال يصر على مشاركة الكرد، في أية مفاوضات خاصة بالأزمة السورية، وحل المسألة الكردية كجزءٍ من الأزمة الوطنية السورية.
سادساً: إن معيار جدية أي طرف من التدخل التركي، المدان والمرفوض بالمقاييس كلها، هو: الموقف من الحل السياسي، وأدواته، وخريطة طريق الحل، أي القرار 2254، باعتبار أن هذا الحل يُسقط الذرائع بالجملة، وباعتبار أن لجم التدخل الخارجي أحد أهداف هذا الحل، إن لم يكن أهم أهدافه.

المحرر السياسي لموقع قاسيون الالكتروني