نتائج سوتشي
لم ينته بعد الصراع حول مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي، ولا نعتقد أنه سينتهي بانعقاده وبالنتائج التي سيحققها، لأن الصراع حوله هو في الجوهر صراع حول الحل السياسي بأسره، حول من هم مع تطبيق القرار 2254 ومن هم ضده، صراع بين القوى الصاعدة ذات المصلحة بالحل السياسي ومعها الوطنيون السوريون الجديون في نضالهم من أجل إنهاء الكارثة ومن أجل التغيير الجذري الشامل، وبين قوى الحرب المتداعية وحلفائها الفاسدين وأنظمتهم الفاسدة.
ورغم أن الصراع لم ينته فإن جزءاً هاماً من نتائجه قد ظهر إلى السطح، وقبل استعراضها لا بد من تذكير سريع بجملة العوامل والطاقات «الخلاقة» التي وظفتها قوى الحرب، وعلى رأسها واشنطن، ضمن هذا الصراع:
• الدفع نحو إطلاق بيانات «ثورية» ضد سوتشي.
• الدفع نحو عمل استعراضي و«مظاهرات» من «الشارع الثوري» ضد سوتشي، «أتخن» مظاهرة منها لم تتجاوز 50 شخصاً.
• إعادة الحديث عن ملف السلاح الكيميائي.
• تجديد العقوبات الاقتصادية.
• الإعلان عن تشكيل «جيش جديد» تحول إلى «حرس حدود» بعد 24 ساعة، وافتعال استفزازات تلقفتها تركيا لتشن عدواناً جديداً على سورية في عفرين.
• دفع بعض القيادات الكردية من حلفائها المقربين، والذين يفتحون خطوطاً تحالفية متعددة ومعروفة، لتحميل روسيا مسؤولية ما يجري في عفرين، ولدفعهم تالياً لرفض حضور سوتشي.
• وفي السياق نفسه، تكريس ضغط على قيادات كردية أخرى تقف في الصف التركي، (وهذه ليست بحاجة لكثير من الضغط)، لكي ترفض هي الأخرى حضور سوتشي.
• تشكيل مجموعة الـ like-minded (متشابهي التفكير بما يخص الأزمة السورية) أو مجموعة الخمسة (الولايات المتحدة- بريطانيا- فرنسا- السعودية- الأردن)، كمحاولة لتقديم موازن لثلاثي أستانا- سوتشي، والحق أن هذه المجموعة تستحق بجدارة اسم Reich-minded...
• إعلان الاستراتيجية الأمريكية «الدفاعية» التي وضعت العداء لروسيا والصين بالمرتبة الأولى، ونحت الإرهاب لمراتب تالية.
• إعلان الاستراتيجية الأمريكية الخاصة بسورية، المستندة لمشروع راند لاستمرار الحرب، وإبقاء النظام وصولاً للتقسيم.
• إظهار لاورقة تيلرسون باسم مجموعة
الـ Reich-minded والتي تناقض 2254 من ألفها ليائها، وتتوافق مع مشروع راند.
• الضغط على الأمم المتحدة وعلى فريق دي مستورا لعملية «ركض» مستمرة في محاولة تقييد سوتشي ومنعه إن أمكن، والامتناع عن حضوره إن جرى.
• المساومة مع الأتراك للضغط على حلفائهم في المعارضة مقابل تعهد أمريكي بات معلناً بوقف تسليح وحدات الحماية.
ورغم اللهاث والسعي الهستيري الذي قام به الأمريكان فإنّ نتائج الصراع حتى الآن هي التالية:
• حتى قبل أن يعقد سوتشي، فإنّه جعل أولئك الذين كانوا «يتعززون» على عملية جنيف، ويمنون النفس بالهروب منها، جعلهم «قديسي 2254» المتسمكين به حتى النهاية، وهو المطلوب.
• وحتى قبل أن يعقد، باتت جولات جنيف شبه متصلة، وفي حالة طوارئ، وانعقاد شبه دائم، وهو المطلوب أيضاً.
• سوتشي سيعقد، وستحضره الأمم المتحدة ممثلة بدي مستورا، وسيحضره عدد كبير من البلدان المعنية بالأزمة، كما أن جزءاً هاماً من المعارضة السورية وافق على المشاركة، وحتى من هيئة التفاوض فإنّ منصتين من أصل المنصات الثلاث المذكورة في قرار مجلس الأمن وافقت على المشاركة، إضافة إلى 3 مستقلين.
• والنتيجة الأهم على الإطلاق، هي أن واشنطن قد أعلنت ورقتها التقسيمية التي طالما عملت عليها، ولكنها إذ أعلنتها تحت ضغط سوتشي، وإذ رفضتها المعارضة بما فيها التي «تظن بالأمريكان خيراً»، فإنها قد احترقت نهائياً...
بكلام مختصر، فإنّ واشنطن وبعد الجهد الهستيري والاستثنائي الذي بذلته لإفشال سوتشي، قد نجحت نجاحاً تكتيكياً محدوداً جداً بمنع جزء من المعارضة من الحضور، ولكنها خسرت المعركة في سورية بكاملها بالمعنى الاستراتيجي بإعلان خطتها الكاملة وسقوط هذه الخطة.