الآن الآن .. وليس غداً
يكتنف الغموض مصير الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف حتى الآن، فتأخر الوفد الحكومي عن اللحاق بجنيف، وإسراع متشددي منصة الرياض عشية الشوط الثاني من الجولة إلى التذكير بالشروط المسبقة والإصرار عليها، وهو الأمر الذي كان ذريعة وفد الحكومة في الشوط الأول من الجولة، و مبرر تأخره عن الموعد المحدد، ومن ثم عودته المبكرة إلى دمشق..
هذا المشهد يعني أن مسألة المفاوضات المباشرة، كما كان مقرراً باتت محل تجاذب، بين موقف الوفد الحكومي، وموقف «منصة الرياض».. فما السبيل إلى الخروج من هذه الحالة؟
نعتقد أن الكرة الآن في ملعب المبعوث الدولي، فهو الوحيد القادر على تأريض التجاذب القائم، وذلك بالاتكاء على القرار الدولي 2254، وتقديم التطمينات، بعدم تجاوزه من أي طرف كان، فالمطلوب الآن من الميّسر العتيد، إعلان رفض الشرط المسبق، الذي تضمنه بيان الرياض، والإلحاح على حضور الوفد الحكومي بنفس الوقت، أي القيام بدوره الوظيفي في الحفاظ على العملية التفاوضية، ودفعها إلى الأمام، وإجراء المفاوضات المباشرة، خصوصاً، وأن التوافق الدولي حول هذه العملية، بات مكتملاً، حسب التصريحات الرسمية لكل القوى الدولية، والإقليمية ذات العلاقة.
إن المصلحة الوطنية السورية، تقتضي الإسراع بالتفاوض المباشر، والوصول إلى صيغة توافقية، بعيداً عن الخطاب الذرائعي، وعدم تفويت هذه الفرصة التاريخية - فكلما تأخر خوض المفاوضات المباشرة، تأخر الحل، وكل تأخير في الحل معناه دفع سورية والسوريين أثماناً إضافية - لاسيما وأن كل الأطراف تستطيع طرح ما تراه مناسباً رفضاً أو قبولاً على طاولة التفاوض نفسها، وأنهم محكومون بالتوافق في النهاية.
إن رفض الشروط المسبقة كحق مشروع، لا يعني رفض التفاوض نفسه، بل بالإمكان تحويل المعركة ضد الشروط المسبقة، إلى جزء من العملية التفاوضية نفسها، لاسيما وأن هذه العملية برمتها هي في المحصلة، ستكون تنفيذ القرار الدولي، المبني على التوافق نصاً وروحاً، وبالتالي فإن رفض الشروط المسبقة، وإلغاءها من التداول، ربما يكون أسهل خلال هذه العملية، و يمكن تحويل هذه الشروط إلى نقطة ضعف لمن يطرحها، أكثر مما هي نقطة قوة، كما يتوهم من يرفعها صباح مساء.
والآن، وبعد أن وصل قطار جنيف، إلى هذه المحطة، محطة التفاوض المباشر، فأن العودة الى الوراء بات في حكم الممنوع، وأن أية عراقيل جديدة، وكما كانت العادة مع كل العراقيل السابقة، ومن أي طرف كان، سرعان ما ترتد على المعرقل نفسه، وتضعف موقفه التفاوضي، اكثر فأكثر، ويجب ألا ينسى أحد أن الاتجاه العام بات واضحاً، و أن من استطاع دفع القطار، من مواقع الحسم والاسقاط، مروراً باستانا، و مناطق خفض التصعيد، وتصفية قوى الإرهاب الفاشي، و«إقناع» كل القوى الدولية، والإقليمية بالحل السياسي كحل وحيد، إن هذا الطرف قادر على إيصال العملية إلى نهايتها المنطقية، أي الحل السياسي التوافقي، كمدخل لوضع القضية بين يدي السوريين، حتى يقرروا مصيرهم ومصير بلادهم بأنفسهم.