لكل عرقلة... مبادرة
تزامنت الأزمة السورية مع مرحلة تشكل توازن القوى الدولي الجديد، حيث ينهار عالم قديم ببنيته، وأدواته، وطبيعة العلاقات بين دوله، ويولد عالم جديد، وإن لم تتضح معالمه النهائية كاملة بعد. ومن هنا باتت الساحة السورية إحدى جبهات المواجهة بين الاستفراد الغربي بالقرار الدولي، وبين الدول التي تسعى إلى علاقات متوازنة تراعي مصالح الدول والشعوب الأخرى.
لم يعد محل خلاف، على أن الطرف الدولي الصاعد وضع استراتيجيته للأزمة السورية على أساس أن الحل السياسي هو الحل الوحيد، وسخّر لأجل ذلك جلّ نشاطه السياسي والدبلوماسي والعسكري، حتى بات هذا الحل مسجلاً باسمه، ومشرعن بقرار دولي، رغم كل محاولات التشويش التي تقوم بها قوى العالم القديم جميعها، بأدواتها المحلية والإقليمية...
ولعل أهم استنتاج يمكن استخلاصه في سياق قراءة الدور الروسي هو: قدرته على إبداع الحلول، وتعدد المبادرات، بعد تحديد الثوابت: فمن تثبيت خيار الحل السياسي كخيار وحيد، إلى تأمين آلياته التنفيذية، منذ جنيف1 ومروراً باجتماع فيينا، وانتهاء بقرار مجلس الأمن 2254، مروراً بإيجاد المسارات الموازية الداعمة لجنيف، بعد بيان موسكو الثلاثي للترويكا «الروسية الإيرانية التركية»، والتوقيع على اتفاقات أستانا حول مناطق خفض التصعيد، بالتنسيق مع القوى الإقليمية الفاعلة، والعمل إما على تحييدها، أو من خلال استدراجها إلى الانخراط في الحل، ودفعها إلى أدوار جديدة لصالح هذا الحل، والتفاعل مع كل قوى المعارضة السورية، بما فيها تلك القوى الرافضة للدور الروسي، وصولاً إلى فكرة «المؤتمر الشعبي السوري».
إن تعدد المبادرات، وتعدد المسارات والتكتيكات، والتفاعل مع كل القوى التي لها دور في الأزمة السورية بغض النظر عن اصطفافها، مع التأكيد المستمر على أن المرجع الوحيد للحل، هو القرار 2254، يضع الراعي الروسي في مكان متقدم يساعده، على تجاوز كل ما من شأنه أن يعرقل الحل السياسي، واعتباره خياراً لا رجعة عنه، لدرجة أن هذا الحل بات خارج المدى المجدي للعرقلة الأمريكية، بدلالة حالة التردد والارتباك والتهرب التي يتسم بها السلوك الأمريكي، وتناقض المواقف بين أركان الإدارة، وبدلالة تفكك حلفها الإقليمي، وتفكك أدواته الداخلية وتراجع وزنها ودورها، بالتوازي مع تقدم الوزن النوعي والكمي لقوى الحل السياسي.
صحيح تماماً، أن روسيا الاتحادية تخوض في سورية معركتها هي. وصحيح أيضاً، أن الأزمة السورية تحولت إلى معركة كسر عظم بين القوى الصاعدة، والقوى المتراجعة، التي تستخدم ما تبقى لديها من أدوات في المرحلة الانتقالية من الانعطاف العالمي الجديد، لاستمرار هيمنتها على القرار الدولي. ولكن موضوعياً، وفي الوقت نفسه، فإن المعركة هي معركة السوريين، في إنقاذ بلادهم، من التفكيك، ومنع انهيار الدولة السورية، معركة الحل السياسي الذي يؤدي إلى إيقاف الكارثة الإنسانية، واجتثاث الإرهاب، ويؤدي إلى عملية التغيير الوطني الديمقراطي البنيوي والعميق، الجذري والشامل.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 833