في تفسير مواقف متشددي الرياض...

في تفسير مواقف متشددي الرياض...

تبدو بعض المواقف المتشددة التي لا تزال تطرحها فئات وشخصيات في منصة الرياض أو ما تسمى الهيئة العليا للمفاوضات، ملتبسة وحتى غير مفهومة...

فإذا نظر المرء لجملة المواقف الدولية والإقليمية، وخاصة مواقف «أصدقاء سورية»، بما تظهره وتعلنه من تراجع واضح عن جملة مواقفها السابقة، وخضوع اضطراري لخط الحل السياسي ممثلاً بالقرار 2254 وأداتي تنفيذه العملي؛ أي: جنيف وأستانا، وكذلك إذا نظر لحجم الانفصام الشاسع بين «الممثلين السياسيين» و»الفصائل»، والذي يبدو واضحاً كل الوضوح بنمط الاتفاقات التي تجري على الأرض... أقول: إن المرء إذا نظر لهذه الوقائع، يصبح من غير المفهوم له كيف لهذه القوة التي نشأت وتضخمت في ظل النفخ الدولي والإقليمي فيها، أن «تتمرد» على الاتجاه العام وعلى الوقائع؟
قبل تفسير دوافع هذا «التشدد»، لا بد من تحديده، هو: الإصرار على الشروط المسبقة، الإصرار على فكرة الحزب القائد للمعارضة الذي يلحق ويضم الآخرين، وفقط في حال تقديمهم فروض الطاعة لبرنامجه المهزوم سياسياً. إضافة إلى الإصرار على «المنطق الانقلابي» في تفسير الحل السياسي. وفي الجوهر، إن التشدد هو رفض الحل السياسي عملياً وقبوله لفظياً، بل وحتى القبول اللفظي نفسه بات موضع شك بعد تصريحات من رياض حجاب وغيره بأن لا أفق حالياً للحل السياسي...
ينطلق تفسير «التشدد» الذي تتمسك به بعض فئات منصة الرياض، من عدة نقاط، المدخل الذي لا يجوز نسيانه في الولوج إليها، أن هذه الفئات ذات «الموقف الموحد» هي نفسها متباينة أشد التباين؛ وهذه النقاط هي:
أولاً: هنالك ضمن هذه المنصة من يسعى لعرقلة الحل بأية وسيلة؛ والوسيلة التي يتبعها اليوم هي: استخدام عطالة الوزن الافتراضي الذي تملكه الفقاعة المسماة (الائتلاف) لتأخير عملية تشكيل الوفد الواحد للمعارضة.
ثانياً: هنالك أيضاً من حسم أمره بأنه لن يكون جزءاً من الحل السياسي، ساعياً بذلك إلى الحفاظ على «مظلوميته التاريخية» أملاً في استخدامها لاحقاً لتخريب أي حلّ سياسي قادم، ودافعه الأساس نحو ذلك هو: معرفته العميقة بأن لا وزن حقيقياً له بين السوريين، وهو يفضل أن يبقى ضمن نموذج المظلومية، على أن يتم تحطيمه سياسياً على يد السوريين في أول انتخابات حقيقية قادمة.
ثالثاً: قسم آخر ضمن المنظومة نفسها، هو تابع مباشر للمنظومة الفاشية الجديدة، والتي تضع ثقلها كله لا في تفخيخ الحل، بل في منعه، إن استطاعت إلى ذلك سبيلاً، مستخدمة كل ما بين أيديها من أدوات وفوالق، ابتداء من داعش والنصرة ووصولاً إلى محاولة تفجير صراعات إثنية وقومية عبر المنطقة كلها.
رابعاً: يصعب أيضاً نفي احتمال أن بعض الأفراد ضمن تركيب منصة الرياض، قد أعماهم الحقد إلى الحد الذي باتوا معه يرون نزيف الدم السوري لا أمراً مكروهاً لكن ضرورياً، بل أمراً ضرورياً ومستحباً كدليلٍ على استمرار «الثورة».
خامساً: فوق ذلك كله، لا يمكن أيضاً نفي احتمال أن بعض الشخصيات لا تنظر أبعد من أبواب فنادقها ورواتبها الشهرية التي تتلقاها من هذه الجهة أو تلك، وترى أن الحلّ السياسي قطع لـ«باب رزقها».
سادساً: يمكن تفسير جزءٍ من المسألة، بأن بعض الجهات الغربية، تستخدم المواقف المتشددة لرفع أسهمها في عملية «إعادة الإعمار»، وأصحاب المواقف المتشددة هؤلاء سيجري رميهم (من وجهة نظر هذه الجهات) بمجرد الوصول إلى صفقة مرضية.
العوامل والفئات السابقة، مجتمعة، تفسر تشدد بعض فئات منصة الرياض، ولكن أياً يكن من أمر، فإنّ هذه الفئات تعيش آخر أيامها السياسية، لأنها ستعزل نهائياً خلال أسابيع وأشهر قليلة، وستكون المهمة أمام الشعب السوري هي إنجاز عزل جميع المتشددين في كل الأطراف خلال المرحلة الانتقالية وما بعدها... وهو ما سيجري.

معلومات إضافية

العدد رقم:
832