البالون الأوروبي... وزنه خفيف
ليلى نصر ليلى نصر

البالون الأوروبي... وزنه خفيف

انهارت منظومة الاستعمار القديم بعد التقاسم العالمي الجديد في الحرب العالمية الثانية، وجرّت «إمبراطوريات الأمس الأوروبية» أدوات قمعها، وعدّتها وعديدها عائدة من أصقاع العالم إلى بلادها، وتكيّفت مع الأدوات الحديثة لإمبراطورية منتصف القرن العشرين «الهوليوودية الطلعة» وتحولت «أمريكا» إلى مركز المركز الغربي بطرفيه الأساسيين الآخرين الغرب الأوروبي واليابان.

منذ ستينيات القرن الماضي، ومع ترسخ أسس النظام الاستعماري الجديد وتعمق الانقسام العالمي بين مركز يملك ويحكم، وأطراف تابعة ومحكومة باقتصادها وسياستها وسلطاتها ومفكريها، بل وحتى بأحلام شعوبها وتصورهم «للعالم الحضاري»، وبقي لدول الغرب الأوروبي نصيب هام من حصة الاقتسام العالمي مبنية على توازنات جغرافية وروابط استعمارية قديمة...
فعلى سبيل المثال: أصبح الشرق الأوروبي محط استثمار ألماني، وامتد النفوذ الإيطالي والفرنسي إلى ضفاف المتوسط، والشمال الإفريقي، وبقي للبريطانيين قوى مال وعلاقات في آسيا وغيرها من طيف مستعمراتها القديمة، وكله كان مرتبطاً بعمق ورضى أوروبيين بأدوات الاستعمار الحديث، التي تعتبر منظومة الدولار والمؤسسات الدولية الأمريكية هي ذراعها الأساس. وبذلك تعمقت عملية ترابط مصالح المركز كلما تغوّل القطاع المالي أفقياً وعمودياً بين هذه الدول وعبر العالم.
تهتز أركان هامة في هذا المشهد الموصوف سابقاً، فلا دول الأطراف هي ذاتها تلك المستضعفة المتنازعة الموبوءة بسياسات الشمال، ولا ترابط المركز الغربي متين وثابت كما كان...
حيث تفعل أزمة الرأسمالية العميقة فعلها في قطبي الصراع العالمي: الإمبريالية والشعوب، لتقلب الآية فأعلام المركز الإمبريالي ووحدته تتصدع، وأعلام قطب الشعوب تصعد بشكل منسق ومتعاون.
فدول الغرب الأوروبي واليابان أصبحت مقيدة بجنون الانقسام الأمريكي، وأصبح واضحاً أن «قائدها المشوش» مستعد للتضحية بها في غوغاء معركة الوجود التي تخوضها منظومة الرأسمال العالمية، وهو ما يدفع هذه الدول للبحث عن خيارات بديلة، وإن كانت كارهة.
فتجد اليابان متلكئة في مواكبة الحماس الأمريكي للحرب الكورية، ومنفتحة نسبياً على فرص الاستقرار والتنمية الآسيوية التي تبني أفقها الصين وروسيا، وعلاقتهما غير المسبوقة من حيث التعاون ووحدة الأهداف بل والمشاريع والمواقف السياسية..
وتبدي ألمانيا مؤخراً مواقف واضحة متباينة عن التصعيد الحربي الأمريكي اتجاه إيران وكوريا، وتتذمر ألمانيا كذلك وفرنسا وإيطاليا من العرقلة الفاشية لحل الأزمة الأوكرانية، ومن دفع أثمان التمويل الفاشي الأمريكي للإرهاب الدولي، ومن فواتير حرب العقوبات الأمريكية على روسيا.
ولكن... إن كانت هذه الدول تتباين مع المركز الأمريكي إلا أنها لا تستطيع الفكاك بسهولة، فالولايات المتحدة هي الوزن الأساسي الذي يحقق ريعاً ومغانم لهؤلاء تفوق حجمهم الاقتصادي، وقدرة تأثيرهم ودورهم السياسي.. وهم إن فقدوا مركز منظومة الدولار الأمريكية والهيمنة العسكرية للولايات المتحدة، يفقدون كل إمكانية تقريباً للتأثير في السير الصاعد لدول الأطراف المتحالفة، ولا يملكون إلا الالتحاق بها لتفادي مزيد من الغوص في عميق أزمات الانقسام العميق لرأس المال العالمي، الذي سيدفعون ثمنه قبل المركز الأمريكي.
لن تستطيع دول أوروبا الغربية أن تصل إلى قناعة سريعة وموحدة بضرورة تجنب الحرائق والانعطاف شرقاً، وإلى ذلك الحين ستبقى قوى المال و«سلطاتها السياسية المنتخبة» في تلك الدول منتفخة بأطياف الوزن القديم، ليلوّح وزير الخارجية البريطاني «بالعنف تجاه كوريا» دون أن تمتلك بريطانيا القدرة على إدارة نتائج «انفصامها الأمريكي- الأوروبي»، ويتحدث العالم عن «مبادرة ماكرون» لحل الأزمة السورية عوضاً عن قرار دولي روسي وصيني.

معلومات إضافية

العدد رقم:
830