الدرس الفرنسي ليس فريداً

الدرس الفرنسي ليس فريداً

شهدت حركة الاحتجاجات الفرنسية ضد وصفات «الإصلاح» الاقتصادي النيوليبرالية التي يصر عليها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، تصاعداً جدياً خلال الأسبوع الماضي، وكان ملفتاً فيها التنسيق عالي المستوى بين النقابات العمالية والأحزاب اليسارية الخارجة عن «تعاليم» اليسار الأوروبي مسلوب الإرادة

كثيرون أصابهم الإحباط لدى الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية في شهر أيار الماضي، حيث بدا المشهد وكأن الأمور قد جرى حسمها نهائياً لمصلحة ماكرون «مرشح حزب المال»، وأن البلاد قد شهدت انتقالاً من حكم «الاشتراكية الديمقراطية» التي استنفدت نفسها وباتت عاجزة عن لعب دورها الوظيفي إلى «الوجوه المصرفية الجديدة» والمحمولة على التلميع الإعلامي بصورةٍ أساسية، هذا الانتقال الذي جرت حياكته بدقة من قبل كبار الشركات العالمية.
لكن ما أغفلته أغلبية المحبطين من نتائج الانتخابات، هو: أن ما تريده قوى المال شيء، وما هي قادرة فعلياً على تنفيذه شيء آخر. فلم يكد يكمل ماكرون شهوره الأولى في السلطة، حتى ارتفعت حالة الاعتراض الشعبي إلى حدودٍ واسعة، وبدأت تخرج إلى العلن الإحصاءات التي تتحدث عن الهبوط الحاد في شعبية الرئيس الجديد، في مقابل تصاعد حالة التأييد والالتفاف على حركة الاحتجاج التي تقودها النقابات واليسار الباحث عن تغيير جذري. فهل الحالة الفرنسية فريدة من نوعها؟
نظرة سريعة على حركة الاحتجاج العالمية تقول خلاف ذلك، فصعود الحركة الشعبية ليس مرتبطاً لا بفرنسا ولا بأوروبا فحسب، بل تمتد – حرفياً- من أقاصي آسيا إلى قلب الولايات المتحدة الأمريكية، وتطال القوى الغربية المتراجعة كم ا تطال القوى الصاعدة، وتتسع لتشمل محددات «الرضى الاجتماعي» كلها، من المسائل الوطنية المتعلقة بوضع حدّ للتدخلات والقواعد العسكرية الغربية في دول العالم، إلى الاحتجاج على مسائل الأجور والتفاوت الطبقي، وصولاً إلى القضايا المصيرية التي تهدد الجنس البشري بأكمله كمسألة المناخ التي تفرض نفسها على جدول الأعمال.
حركة الاحتجاج هذه، والمستندة أساساً إلى القضايا المصيرية التي لم تعد البشرية قادرة على الاستمرار دون النضال ضدها، تفتح الأفق في وجه الحركة الثورية العالمية، وتوسع عملياً من القاعدة الاجتماعية لأحزاب اليسار الجدية التي في نضالها لا تقف في وجه رأس المال فحسب، إنما تناضل من أجل بقاء الجنس البشري...

معلومات إضافية

العدد رقم:
829