التشدد طريق مسدود
يلاحظ المتابع لتطور مسار الأزمة السورية منذ 2011، إن كل تشدد من أي طرف كان، استدرج على الدوام تشدداً من الطرف الآخر، ليكون قانون الفعل ورد الفعل هو السائد والفاعل الأساسي في تحديد اتجاه تطور الأحداث.
يعود جذر التشدد إلى مفهومي «الحسم والإسقاط»، ففي حين رفع متشددو المعارضة شعار الإسقاط، دون أي اعتبار لتوازن القوى الداخلي والدولي، رفع النظام شعار الحسم العسكري، دون حسبان مستوى وحجم التناقضات في البلاد، وضرورات التغيير، والمناخ الدولي والإقليمي الذي تشكل بعد انطلاق الحركات الاحتجاجية في العديد من بلدان المنطقة.
وكانت النتيجة الأولى لذلك، حدوث انقسام حاد في البلاد على أساس هذين الخيارين غير الواقعيين، الذي فتح الباب على مصراعيه لتدويل الأزمة السورية، مما سمح للإرهاب الفاشي، بالتمدد والتوسع، وتهديد الدولة السورية في وجودها، باعتباره ذراع قوى الفاشية الدولية التي تعمل على تعميم الفوضى، وتفتيت الدول والبلدان.
واليوم، في ظروف الإجماع الدولي والإقليمي، على الحل السياسي كخيار وحيد للأزمة السورية، و بعد اعتراف كل الأطراف بعدم وجود حلول عسكرية، يستمر التشدد بشكل آخر، وضمن دائرة الحل السياسي نفسه، ولعل التجلي الأبرز لاستمراره هو الشروط المسبقة، والأولويات التي يحاول كل طرف فرضها على طاولة التفاوض والعملية السياسية.
إذا كانت مظاهر التشدد السابقة الفاشلة التي تجلت في محاولات «الحسم والإسقاط» تخالف توازن القوى، ووصلت إلى طريق مسدود، فإن التشدد اليوم، أي الشروط المسبقة، لا تخالف توازن القوى فحسب، بل تخالف أيضاً منطق الحل السياسي نفسه، الذي لا يمكن أن يكون إلا على أساس التوافق، والتنازلات المتبادلة، وكما أن التشدد بصيغته الأولى استدرج تشدداً مضاداً، فإن الشروط المسبقة اليوم - ومن أي طرف كان- تعطي الحجة والذريعة للطرف الآخر بأن يطرح هو الآخر شروطاً مسبقة، مما يعني في العمق نسف خريطة الطريق المعتمدة للحل، أي القرار الدولي 2254، ومحاولة إجهاض العملية السياسية في المهد، لتصبح بذلك بمثابة عملية تخادم قلما نجد لها مثيلاً في الصراعات والحروب.
وعلى كل حال، بات واضحاً أن الخيار الوحيد أمام قوى التشدد، هو التراجع، بحكم عاملين أساسيين: فمن جهة يصطدم التشدد بالسعي الحثيث للقوى الدولية الصاعدة في الوصول إلى حل سياسي، عبر جهد دبلوماسي وعسكري متكامل ومتسارع، ويصطدم أيضاً برغبة ومصالح أغلبية السوريين وسعيهم للخلاص من الكارثة التي ألمت ببلادهم، وإذا كانت المبادرة بيد المتشددين في السنوات الأولى، فإن الذي يمسك بزمام المبادرة اليوم هي قوى الحل السياسي، التي تتعزز مواقعها أكثر فأكثر، فهي التي تحدد اتجاه سير الأحداث، وتزيل العوائق الواحد تلو الآخر من طريق الحل، وتدفع العملية إلى الأمام، رغم كل محاولات الإعاقة، وبات لديها الكثير من الأدوات التي تؤمن خروج سورية من دوامة الأزمة، والحفاظ على وحدة البلاد واستعادة سيادتها، وإيقاف الكارثة الإنسانية، والقضاء على الإرهاب، والتغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 826