مرحلة العمل الملموس

مرحلة العمل الملموس

تعرض مفهوم المعارضة كغيره من المفاهيم، إلى الكثير من التشويه المتعمد والتلاعب على مدى سنوات الأزمة السورية، من مختلف الاطراف، كل لغاياته وحساباته، وكل حسب المنصة المعرفية التي ينطلق منها في تفسير الظواهر والأحداث،  ليصبح ذلك التشويه بمثابة الخطأ الشائع بقوة الدفق الإعلامي المواكب للوضع في سورية.

فالإعلام الرسمي وشبه الرسمي حاول مراراً أن يضع إشارة مساواة بين المعارضة والإرهاب، أما معارضة «الائتلاف» فقد صنفت كل من لم يوافق على سياساتها، وبالأخص ما يتعلق بالموقف من التدخل الخارجي في صف الموالاة.
ومن جملة هذه التشوهات المقصودة، كان وما زال التصنيف الملتبس: «معارضة الداخل، ومعارضة الخارج» التي لا تستند إلى أي أساس واقعي، وتكشف عن بؤس معرفي يرتقي إلى مستوى السذاجة، في قراءة الخارطة السياسية السورية، وتشابكاتها وتعقيداتها، ..الأخطر من ذلك، في  مثل هذا التصنيف أنه يمنع فرز القوى على أسس سياسية حقيقية، أي بين الوطني واللاوطني، هذا الفرز الذي بات ضرورة لا غنى عنها من جهة تأمين أحد أهم حوامل الحل السياسي الذي يطرق الأبواب، فبدون بلورة تيار وطني معارض عريض يتجاوز مثل هذا التصنيف البائس، لا يمكن إجراء مفاوضات مباشرة بين النظام والمعارضة في جولة جنيف القريبة القادمة، رغم أنها تعتبر شرطاً لابد منه لإحداث تقدم ملموس، والمضي قدماً إلى الأمام.
إن مخاطر هذا التقسيم الوهمي لقوى المعارضة بين الداخل والخارج، تكمن في أنها قد تفوت فرصة ذهبية على الشعب السوري، يمكن من خلالها تحقيق المهمة الوطنية الأولى في الحفاظ على وحدة  الدولة السورية، واستعادة سيادتها على كامل أرضها، والقضاء على خطر الإرهاب نهائياً، وإيقاف الكارثة الانسانية، وتحقيق التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل، كمهام متكاملة ومترابطة لا يمكن إنجاز إحداها دون الأخرى، لاسيما بعد الاختراقات الجدية التي حدثت في الجولات الأخيرة لكل من استانا وجنيف، وبعد انحسار دور قوى الإرهاب الفاشي، والتحول في مواقف العديد من الدول إثر زخم النشاط الدبلوماسي والعسكري الروسي.
الأصل في أي عمل معارض، والأساس فيه، هو طرح برنامج بديل، برنامج سياسي واقتصادي – اجتماعي، يسعى إلى التغيير، وهذا ما يجب ألا يغيب لحظة واحدة عن ذهن قوى المعارضة الوطنية، أما في ظل الشرط السوري الخاص، وبعد مستوى التدويل العالي الذي وصلت إليه الأزمة، التي تشكل تهديداً وجودياً للدولة السورية، فإن المسألة الملحة الأخرى الى جانب المهمة الأساسية آنفة الذكر، والتي لا تقبل التجاهل والتأجيل، ولا تحتمل ترف المزيد من الانتظار، فهي العمل الملموس، هي السعي الحثيث إلى الإسراع بالحل السياسي، عبر أداته الوحيدة الفاعلة، أي مفاوضات جنيف، وعلى أساس القرار المتفق عليه دولياً «2254» الذي استطاع حلفاء سورية انتزاعه من بين مخالب الذئاب، ومن هنا نؤكد ما قلناه سابقاً، بأن أحد أهم معايير العمل الوطني المعارض الملموسة هو الانخراط في الدفع باتجاه تأمين كل عوامل نجاح هذا الخيار وتثبيته.

معلومات إضافية

العدد رقم:
821