الداخلي والخارجي في الأزمة السورية
مما لا شك فيه أن الأزمة السورية يتداخل فيها العامل الخارجي مع الداخلي، والذاتي مع الموضوعي، كما بات من الواضح أن هناك من يسعى دائماً إلى التشبيك الخاطئ بين هذه العوامل مجتمعة، من أجل تعقيدها بدلاً من تفكيكها، وذلك لخلق حالة استعصاء ذهنية، وكل ذلك في مسعى بائس من هؤلاء من أجل عرقلة الوصول لحل هذه الأزمة، وربما بحال حسن النوايا؛ لغايات ومآرب لا يمكن إدراجها إلا ضمن خانة ضيّقةِ الأفق أو الذاتية والأنانية والمصلحة الضيقة والنرجسية.
الواضح والجلي أن الأزمة السورية تزامنت مع تحولات دولية عميقة على مستوى التوازنات والعلاقات الدولية، حيث تزداد فاعلية القوى الصاعدة، فيما تتراجع وتتراخى القوى الآفلة، في عملية بدأت وما زالت مستمرة حتى الآن، ولعل ما نشهده من تفكك في بنية النظام الدولي القديم بالزعامة الأمريكية، مؤشر لا يمكن أن يغفل عنهُ كل ذي عقل وعين وبصيرة.
تزامن في ظل التراجع
فالمركز الأمريكي الغربي تتزعزع أركانه وتتعمق صراعاته الداخلية، يوماً بعد يوم، وتأثيرات هذا التفكك والصراع لم تعد محصورة بالمركز نفسه، أو على مستوى النخب السياسية الفاعلة فيه فقط، بل الأكثر وضوحاً هو ما تحصده جميع الأطراف المرتبطة بهذا المركز تاريخياً، مع استنفاذ كل الأدوات والوسائل المتاحة لهذه أو لتلك.
بمقابل ذلك كان هناك تزايدٌ في الارتباط والتكامل بين القوى الصاعدة، ممثلة بروسيا والصين ودول مجموعة البريكس، والتي بدأت تشكل عامل استقطاب دولي جديد، شق طريقه باتجاه بناء علاقات دولية جديدة بعيداً عن هيمنة القوى الآفلة، ومركزها الأمريكي الغربي، وهو ما يمكن أن نلخصه بأن هناك فضاءً سياسياً دولياً جديداً ينشأ على أنقاض الفضاء السياسي الدولي القديم المتراجع قيد الاندثار.
هذا التزامن للأزمة السورية مع واقع المتغيرات الدولية، والدور المتزايد للقوى الصاعدة فيها، أرخى بظلاله عليها، ولعل ذلك بسبب التقاطعات المحلية والإقليمية والدولية بهذه الأزمة وبعمقها، مع عدم إغفال أدوار بعض القوى بالدعوات العلنية لهذا التدخل والتدويل، في ظل ما وصلت إليه حال السوريين من مأساة، مع عدم إغفال عامل انتشار التطرف والإرهاب الذي لم يعد مقتصراً على الداخل السوري، بل بدأت آثاره تطال المحيط الاقليمي والدولي.
المصالح السيادية العميقة
قد كان لزاماً على القوى الوطنية الجدية، أن تعمل على إيجاد التوازن الداخلي المحلي، بما يحقق عدة قضايا مجتمعة من أجل الخروج الآمن من الأزمة السورية عبر الحوار والتوافق والحل السياسي، كحل وحيد لهذه الأزمة، اعتباراً من إعادة الاعتبار للدور الداخلي على مستوى حل الأزمة، مروراً بمصلحة الشعب السوري في التغيير الجذري والعميق والشامل، وليس انتهاءً بالتمسك بوحدة وسيادة الأرض والشعب، وهو ما تم العمل عليه من أجل الاستفادة من كل ما يجمع السوريين ويوحد طاقاتهم، للوصول إلى هذهِ الأهداف مجتمعة، عبر اللقاءات والتشاور والحوار والتفاوض، وكل ما من شأنه ردم الهوة بين السوريين وقواهم، بعيداً عن أساليب الإقصاء والإبعاد والهيمنة، وتذليلاً لأية عقبات قد تعترض طريقهم باتجاه الخروج الآمن والحل السياسي المنشود، مع عدم إغفال الاستمرار بمحاربة الارهاب وصولاً لاجتثاثه، بعيداً عن كل دعوات استمرار الاحتراب والاقتتال، ودعوات الحسم والإسقاط، والغوص بمتاهات الثنائيات الوهمية، التي عمد البعض إلى ترويجها.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن مجمل ما سبق ليس إلا تعبيراً مكثفاً عن واقع موضوعي يفرض وجوده، بعيداً عن كل ما يمكن أن يدرج ضمن إطار الإرادوية والرغبات الذاتية، الإيجابية منها والسلبية.
الحوار والتوافق ثوابت رغم اختلاف التكتيكات
ولعل غياب الدور الداخلي في حل الأزمة، كان مع الأسف نتيجة لسلوك طرفي الصراع المسلح، حيث أصبح للعامل الخارجي دور أكثر فاعلية من العامل الداخلي، على الرغم من أن الثابت بالعملية هو الحوار وصولاً للحل التوافقي، وإن تغيرت أدواته حسب تطورات واقع الأزمة.
فواقع الحال يقول: بأن القوى الوطنية الجدية كانت مصرة على الحوار الداخلي بغاية الوصول للتوافق قبل عسكرة الصراع، وما تبعه من نتائج، وبعد العسكرة وتداعياتها، ورغم وصول التدخل الخارجي لمدى واسع، استمرت هذه القوى بتمسكها بالحوار والتوافق، كحل وحيد للخروج من الأزمة، لكن الأسلوب والطريق والأداة لهذا التوافق هي التي تغيرت، مع التمسك بالاحتفاظ بجوهره وغايته.
ومقارنة بسيطة بين بنود الاتفاق التشاوري في بداية الأزمة، وبين القرار الدولي 2245، نجد أن روح الحل التوافقي هي القائمة والمستمرة عبرهما.
ولعلنا بهذا الصدد لا يسعنا إلا أن نقول: «سامح الله من لم ينفذ بنوده في حينه».
الحل السياسي نقطة تقاطع
على إثر العسكرة والتدويل والتدخل الخارجي المتزايد، كان من الواجب والضرورة الوطنية إيجاد التقاطعات الدولية اللازمة من أجل الوصول للغاية المتمثلة بالحل السياسي، بجوهره ومفرداته أعلاه، بما في ذلك الحوار مع بعض القوى الفاعلة والمؤثرة بالأزمة السورية على المستوى الدولي والإقليمي، إيجاباً أم سلباً.
والمهم كان هو التركيز على القوى الصاعدة على مستوى التوازن الدولي الناشئ، وهو عملياً ما تمخضت عنه تقاطع المصلحة السورية مع ما يمثله هذا التوازن الجديد بقواه الصاعدة، وعلى رأسها روسيا والصين، كونه يمثل الأفق الإيجابي على مستوى العلاقات الدولية، التي تعمل على حل الأزمات سياسياً، عبر إطفاء بؤر التوتر والحروب، ومنع انتشارها والحد من تداعياتها، مع تأكيدها على احترام حق الدول والشعوب بالسيادة، بعيداً عن الهيمنة الأمريكية ومركزها المتراجع، وبما يحقق مصلحة الشعب السوري والمصلحة والسيادة الوطنية، وهو ما عكفت عليه قوى الحل السياسي وما زالت متمسكة به.
ولعل من مزايا تقاطع الأزمة السورية مع الفضاء الدولي الجديد، هو أنّ القوى الصاعدة في هذا الفضاء فرضت وجودها ودورها على مستوى حل هذه الأزمة، وهو ما تمت ترجمته العملية عبر القرار الدولي 2254، باعتباره يمثل المصلحة السورية بالخروج من الأزمة، ويحقق وحدة وسيادة الأرض والشعب، ويلبي طموحه في التغيير الجذري والعميق والشامل.
فتنفيذ القرار 2254، هو هدف روسي صيني كمقدمة لفرض التقيد بتطبيق وتنفيذ القانون الدولي عالمياً، ومن هنا: كان الدور الروسي فاعلاً وضاغطاً من أجل إقراره، كما هو عازم على تطبيقه وتنفيذه، عبر بوابات أستانا وجنيف وصولاً للحل السياسي الشامل، الذي لن تكون خواتيمه إلا من خلال تضافر جهود القوى الوطنية الجدية، صاحبة الحل السياسي، وبالداخل السوري من كل بد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 821